الإشارة: إذا وصل أهل الجد والتشمير إلى حضرة العلي الكبير، وأفاض عليهم من ماء غيبه، حتى امتلأت قلوبهم وأسرارهم، فأثمر لهم العلوم اللدنية والأسرار الربانية ناداهم أهل البطالة والتقصير: أفيضوا علينا من الماء الذي سقاكم الله منه، أو مما رزقكم من العلوم والمعارف. قالوا: إن الله حرمهما على البطالين الذين اتخذوا طريق القوم لهوًا ولعبًا، وغرتهم الحياة الدنيا فقبضتهم في شبكتها، فيقول تعالى: فاليوم ننساهم من لذيذ مشاهدتي، وحلاوة معرفتي، كما نسوا لقائي بشهود ذاتي، وأنكروا على أوليائي وأهل معرفتي، وجحدوا وجود التربية وحجروا على قدرتي، ولقد جئناهم بكتاب فصّلنا فيه كل شيء فقلنا فيه: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «١» إلى يوم القيامة، هل ينظرون إلا تأويله؟ يوم يأتي تأويله بظهور درجات المقربين، في أعلى عليين، حينئذٍ يحصل لهم اليقين بوجود المقربين، أو بالتربية النبوية في كل زمان وحين، فيطلب الشفاعة في اللحوق بهم، أو يرد إلى العمل بعملهم.. هيهات! قد بُعثر ما في القبور، وحُصّل ما في الصدور، فخسر المبطلون، وفاز المجتهدون السابقون. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم عرّف الحق- جل جلاله- بنفسه ليعرفه من أراد معرفته فى الدنيا، فقال:
قلت:(حثيثًا) أي: سريعًا صفة لمصدر محذوف، أي: طلبّا حثيثا، أو حال من الفاعل، أي: حاثًا، و (مسخراتٍ) حال فيمن نصب، وخبر فيمن رفع، و (تضرعًا وخفية) : مصدران، حالان من الواو، وكذلك (خوفًا وطمعًا) .
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ الذي يستحق أن تعبدوه، هو اللَّهُ وحده الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي: أظهرهما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي: مقدار ستة أيام من أيام الدنيا إذ لم يكن ثَمَّ شمس، ولو شاء خلقهن في لمحة، والعدول إليه لتعليم خلقه التأنى والتثبت.