للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: في الآية تنفيرٌ من الاستكبار والترفع على عباد الله تشبيها بإبليس، وحثٌ على التواضع والخضوع لله في خلقه وتجلياته كيفما كانت، وفيها أيضًا الحض على إفراد الوجهة والمحبة لله، والتبري من كل ما سواه مما يشغل عن الله، وفيها أيضًا: النهي عن التطلع إلى ما لم يَرِدْ به من أسرار القدر نصٌ صريح في كتاب الله ولا في سنة رسول الله من أسرار القدر، وفيها أيضًا: النهي عن الاستعانة بأعداء الله فى أي شأن كان. وبالله التوفيق.

ثم ذكر وبال من اتخذ وليًا غير الله، فقال:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]

وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)

قلت: «مَوْبِقاً» : اسم مكان، أو مصدر، من: وَبَقَ وبوقًا، كوثب وثوبًا، ووَبِقَ وبَقًا، كفرح فرحًا.

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر يَوْمَ يَقُولُ الحق تعالى للكفار توبيخًا وتعجيزًا لهم: نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم شفعاؤكم ليشفعوا لكم، والمراد بهم كل ما عُبد من دون الله، أو إبليس وذريته، فَدَعَوْهُمْ أي: نادوهم للإغاثة، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ: فلم يُغيثوهم، وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ أي: بين الداعين والمدعوين مَوْبِقاً أي: مهلكًا يهلكون فيه جميعًا، وهو النار، وقيل: العداوة، وهي نوع من الهلاك، لقول عمر رضي الله عنه: «لا يكن حُبك كَلَفًا، ولا بُغْضك تلفًا» «١» . وقيل: المراد بالبيْن: الوصل، أي: وجعلنا وصلهم في الدنيا هلاكًا في الآخرة، كقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «٢» ، وقيل: المراد بالشركاء: الملائكة، وعُزير، وعيسى- عليهم السلام-، ويراد حينئذ بالموبق: البرزخ البعيد، أي: وجعلنا بينهم وبين من عبدوهم برزخًا بعيدًا لأنهم في قعر جهنم، وهم في أعلى عليين.

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ، وضع المُظْهَرَ موضع المُضْمَرِ تصريحًا بإجرامهم، وذمًا لهم، أي: ورأوا النار فَظَنُّوا أي: أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها وواقعون فيها، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي: انصرافًا ومعدلاً ينصرفون إليه، نسأل الله السلامة من مواقع الهلاك.


(١) قال المناوى فى الفتح السماوي ٢/ ٧٩٦: «لم أقف عليه» ، ومعنى المثل: لا يكن حبك حبا مفرطا يؤدى إلى الولع والهيام، وبغضك بغضا مفرطا يجر إلى التلف.
(٢) من الآية ٩٤ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>