بمحاربة نفوسهم ومخالفة عوائدهم. وفى الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم، قال لابن عباس في حديث طويل:«وفي الصبر على ما تَكْرَهُ خَيْر كَثِير» . والله تعالى أعلم.
قلت:(وإذ) : ظرف لا ذكر، محذوفة، و (أنها لكم) : بدل اشتمال من (إحدى الطائفتين) ، والشوكة: الحدة، مستعارة من واحد الشوك، وسميت الحرب شوكة لحدة سلاحها.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكروا إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قريشاً، أو عِيرهَم، وعدكم أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ وتتمنون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي: ذات الحرب تَكُونُ لَكُمْ وهي العير، فإنها لم يكن فيها إلا أربعون رجلاً، وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمِْ وعُددهم، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أي: يظهر الحق، وهو الإسلام، بقتل الكفار وهلاكهم في تلك الغزوة، بِكَلِماتِهِ أي: بإظهار كلماته العليا، أو بكلماته التي أوحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالإمداد، أو بنفوذ كلماته الصادقة بهلاكهم، وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ أي: يستأصلهم ويقطع شوكتهم.
ومعنى الآية: أنكم تُريدون أن تُصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق، وما يحصل لكم من فوز الدارين. وإنما فعل ما فعل من سوقكم إلى القتال لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أي: ليُظهر الدين ويبطل الكفر.
قال البيضاوي: وليس بتكرار لأن الأول لبيان المراد، وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على اختيار ذات الشوكة وقصره عليها. هـ. وقال ابن جزى: ليس تكرارا للأول لأن الأول مفعول يريد، وهذا تعليل لفعل الله تعالى، ويحتمل أن يريد بالحق الأول الوعد بالنصرة، وبالحق الثاني الإسلام، فيكون المعنى: أنه نصرهم ليظهر الإسلام، ويؤيد هذا قوله: وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أي: يُبطل الكفر، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك، فإن الله لا بد أن يظهر دينه على الدين كله، ولو كره الكافرون.