قلت: ظاهر كلامه: أن الروح لا ترجع إلى وطنها وتتصل بحضرة ربها إلا بعد خراب هذا البدن، والحق إنها ترجع لأصلها، وتتصل بحضرة ربها مع قيام هذا البدن إذا كمل تطهيرها وتمت تصفيتها من بقايا الحس، وانقطع عنها علائق هذا العالم الجسماني، فتتصل حينئذٍ بالعالم الروحاني، مع قيام العالم الجسماني، كما هو مقرر عند أهل التحقيق، والله تعالى أعلم.
قلت:«ضياء» : مفعول ثان، أي: ذات ضياء، وهو مصدر كقيام، أو جمع ضوء كسياط، والياء منقلبة عن الواو، وفي رواية عن ابن كثير بهمزتين في كل القرآن على القلب، بتقديم اللام على العين، والضمير في «قدره» للشمس والقمر، كقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «١» ، أو للقمر فقط.
يقول الحق جلّ جلاله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً أي: ذات ضوء وإشراق أصلي، وَالْقَمَرَ نُوراً أي: ذا نور عارض، مقتبس من نور الشمس عند مقابلته إياها، ولذلك يزيد نوره وينقص، فقد نبه سبحانه بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها، والقمر نوراً بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها، فالنور أعم من الضياء، والضياء أعظم من النور. وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ أي: قدر سير كل واحد منهما منازل، أو القمر فقط، وخصصه بالذكر لسرعة سيره، ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به. ولذلك علله بقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ أي: حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي في معاملتكم وتصرفاتكم:
ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ الذي تقدم من أنواع المخلوقات إِلَّا بِالْحَقِّ أي: ملتبسًا بالحق، مراعياً فيه مقتضى الحكمة البالغة، لا عبثاً عارياً عن الحكمة، أو ما خلق ذلك إلا ليعرف فيها، فما نُصبت الكائنات لتراها، بل لترى