يقول الحق جلّ جلاله: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ مَذِرة، خارجة من الإحليل، الذي هو قناة النجاسة، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ بيّن الخصومة، أي: فهو على مهانة أصله، ودناءة أوله، يتصدّى لمخاصمة ربه، ويُنكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمّت عظامه. وهي تسلية ثانية له صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما يقولونه في جانب الحشر، وهو توبيخ بليغ حيث عجّب منه، وجعله إفراطاً في الخصومة بيّناً فيها.
رُوي أنَّ أُبيّ بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ، ففتَّه بيده، وقال: يا محمد أترَى الله يُحيِي هذا بعد ما رمّ؟
فقال صلى الله عليه وسلم:«نعم ويبعثك ويدخلك جهنم»«١» فنزلت الآية.
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا، أمراً عجيباً، بأن جَعَلنا مثل الخلق العاجزين، فنعجز عما عجزوا عنه من إحياء الموتى، وَنَسِيَ خَلْقَهُ من المنيّ المهين، فهو أغرب من إحياء العظم الرميم. و «خلقه» : مصدر مضاف للمفعول، أي: خلقنا إياه، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ بالٍ مفتت، وهو اسم لما بَلِيَ من العظام، لا صفة، ولذلك لم يؤنّث. وقد وقع خبراً لمؤنث، وقيل: صفة بمعنى مفعول، من: رممته، فيكون كقتيل وجريح. وفيه
(١) أخرجه الطبري (٢٣/ ٣٠) والواحدي فى أسباب النزول (ص ٣٧٩) عن قتادة. وعزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٥٠٨) لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي فى البعث، عن أبى مالك. وأخرج الحاكم (٢/ ٤٢٩) وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس: أن الآية نزلت في العاص بن وائل. والآية عامة، والألف واللام فى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ للجنس، يعم كل منكر للبعث.