قلت:(يُهلكون) : حال من فاعل (يحلفون) ، أو بدل منه. قال في القاموس:(الشقة) - بالضم والكسر: البُعد والناحية يقصدها المسافر، والسفر البعيد والمشقة. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: انْفِرُوا للجهاد مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، حال كونكم خِفافاً نشاطاً، وَثِقالًا كسالى لمشقته، أو (خفافا) لمن قَلَّ عياله، (وثقالاً) لمن كثر عياله، أو خفافاً لمن كان فقيراً، وثقالاً لمن كان غنياً، أو خفافاً ركباناً، وثقالاً مشاة، أو خفافاً بلا سلاح، وثقالاً بالسلاح، أو خفافاً شباباً، وثقالاً شيوخاً، أو خفافاً أصحاء، وثقالاً مرضى. ولذللك قال ابنُ أمِّ مكتوم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: أَعَليَّ الغزو يا رسول الله؟ قال:«نعم» ، حتى نزل: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ «١» . وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: بما أمكن إمّا بهما أو بأحدهما، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تركه، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما في ذلك من الأجر العظيم والخير الجسيم، أي: لو علمتم ذلك ما قعدتم خلف سرية.
ثم عاتب من أراد التخلف، فقال: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً من الدنيا، وَسَفَراً قاصِداً متوسطاً أو قريباً، لَاتَّبَعُوكَ أي: لو كان ما دعوا إليه أمراً دنيوياً، كغنيمة كبيرة، أو سفراً متوسطاً، لا تبعوك ولوافقوك على الخروج، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي: المسافة التي تقطع بمشقة، وذلك أن الغزوة- أي: تبوك- كانت إلى أرض بعيدة، وكانت في شدة الحر، وطيب الثمار، فشقت عليهم. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أي: المتخلفون إذا رجعت من تبوك، معتذرين، يقولون: لَوِ اسْتَطَعْنا الخروج لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، لكن لم تكن لنا استطاعة من جهة العُدة والبدن وهذا إخبار بالغيب قبل وقوعه. يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بوقوعها في العذاب، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في ذلك لأنهم كانوا مستطيعين الخروج، وإنما قعدوا كسلاً وجُبْناً، والله تعالى أعلم.