السباق السباق قولا وفعلا ... حذر النفس حسرة المسبوق
قال أبو على الدقاق رضي الله عنه: رؤي بعضهم مجتهداً، فقيل له في ذلك، فقال: ومن أولى مني بالجهد، وأنا أطمع أن ألحق الأبرار الكبار من السلف. هـ. ويقال للواعظ أو للعارف، إذا رأى إدبار الناس عن الله، وإقبالهم على الهوى:
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ.. الآية.
ثم ذكر سعة علمه وحلمه، فقال:
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥)
قول الحق جل جلاله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ أي: تخفي صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ أي: يُظهرون من القول. وليس تأخير العذاب عنهم لخفاءَ حالِهم عليه، ولكن له وقت مقدر، فيمهلهم إليه. أو: إن ربك ليعلم ما يخفون وما يُعلنون من عداوتك ومكايدهم لك، وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه، وقرئ بفتح [التاء] «١» ، من: كننت الشيء: سترته.
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي: من خافية فيهما إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ في اللوح المحفوظ.
يُسمى الشيء الذي يخفى ويغيب غائبه وخافية. والتاء فيهما كالتاء في العاقبة والعافية. ونظائرهما، وهي أسماء غير صفات. ويجوز أن يكونا صفتين، وتاؤهما للمبالغة، كالرواية. كأنه قال: وما من شيء شديد الغيوبة إلا وقد علمه الله، وأحاط به، وأثْبتَه في اللوح المحفوظ. ومن جملة ذلك: تعجيل عقوبتهم، ولكن لكل شيء أجل معلوم، لا يتأخر عنه ولا يتقدم. ولولا ذلك لعَجَّل لهم ما استعجلوه. والمُبين: الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة. أو:
مبين لما فيه من تفاصيل المقدورات. والله تعالى أعلم.
الإشارة: في الآية حثٌّ على مراقبة العبد لمولاه، فى سره وعلانيته، فلا يفعل ما يخل بالأدب مع العليم الخبير، ولا يجول بقلبه فيما يستحيي أن يظهره لغيره، إلا أن يكون خاطراً ماراً، لا ثبات له، فلا قدرة للعبد على دفعه. وبالله التوفيق.
(١) فى الأصول [الكاف] . قلت: قرأ الجمهور (ما تكن) بضم التاء من: أكن الشيء: أخفاه. وقرأ ابن محيصن وحميد: بفتح التاء وضم الكاف، من: كن الشيء: ستره. انظر الإتحاف (٢/ ٣٣٤) والبحر المحيط (٧/ ٩٠) .