للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجلي، لأزداد شكرًا وعبادة، فقال له الملك: لا يُؤخر اللهُ نفساً إِذا جاء أجلها، فقال: قد علمت ذلك، ولكنه أطيب لنفسي، قال: نعم، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء «١» . رُوي أنه مات هناك وردت إليه روحه بعد ساعة، فهو في السماء الرابعة حي. وهذه قصص الله أعلم بصحتها. وبالله التوفيق.

الإشارة: ارتفاع المكان والشأن يكون على قدر صفاء الجنان، والإقبال على الكريم المنان، فبقدر التوجه والإقبال يكون الارتفاع والوصال.

بقدر الكد تكسب المعالي ... وَمَنَ رَامَ العُلا سَهِرَ الليالي

أتبغي العزَّ ثُم تَنَامُ ليلاً ... يَغُوصُ البحر مَن طَلَبَ اللآلي

قال بعضهم: من عامل الله على بساط الأنس: رفع، لا محالة، إلى حضرة القدس. وبالله التوفيق.

ثم ذكر مدحهم فى الجملة، فقال:

[[سورة مريم (١٩) : آية ٥٨]]

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)

قلت: «أُولئِكَ» : مبتدأ، و «الَّذِينَ» : خبره، أو «الَّذِينَ» : صفته، و «إِذا تُتْلى» : خبره. والإشارة إلى المذكورين في السورة، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبتهم وبُعد منزلتهم في الفضل، و (مِنَ النَّبِيِّينَ) : بيان للموصول، و (مِنْ ذُرِّيَّةِ) :

بدل منه بإعادة الجار، و (سُجَّداً وَبُكِيًّا) : حالان من الواو، و (بُكِيًّا) : جمع باك، كمساجد وسجود، وأصله: بكوى، فاجتمع الواو والياء، وسُبق إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وحركت الكاف بالكسر المجانس للياء.

يقول الحق جلّ جلاله: أُولئِكَ المذكورون في السورة الكريمة هم الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بفنون النعم الدينية والدنيوية، مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وهو إدريس عليه السلام ونوح، وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ أي:

ومن ذرية من حملناهم في السفينة، وهو إبراهيم لأنه من ذرية سام بن نوح، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ، وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وقوله: وَإِسْرائِيلَ أي: ومن ذرية إسرائيل، وهو يعقوب، وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، وفيه دليل على أنَّ أولاد البنات من الذرية. وَمِمَّنْ هَدَيْنا أي: ومن جملة من هديناهم إلى الحق واجتبيناهم إلى النبوة من غير هؤلاء.


(١) عقّب ابن كثير على هذه الرواية وأمثالها بأن فيها غرابة ونكارة، وهى من أخبار كعب الأحبار من الإسرائيليات.

<<  <  ج: ص:  >  >>