للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٠ الى ١١٢]

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)

قلت: (كان) : على بابها من الدلالة على المُضِيِّ، أي: كنتم في اللوح المحفوظ، أو في علم الله، أو فيما بين الأمم المتقدمة، أو: صلة، أي: أنتم خير أمة، و (للناس) : يتعلق بأخرجت، أو بكنتم، أي: كنتم خير الناس للناس.

يقول الحق جلّ جلاله لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: كُنْتُمْ في سابق علمي خَيْرَ أُمَّةٍ ظهرت لِلنَّاسِ تجيئون بهم إلى الجنة بالسلاسل. ثم بيَّن وجه فضلهم فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وبجميع ما يجب الإيمان به.

وقد ورد في مدح هذه الأمة المحمدية أحاديث، منها: قوله صلّى الله عليه وسلم: «حُرِّمتْ الجنةُ على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحُرّمتْ الجنة على الأُمَمِ حتى تدخلها أمتي» . ومنها قوله صلّى الله عليه وسلم: «أمتي أمةٌ مَرْحُومَةٌ، إذَا كَانَ يَوْمُ القِيامةِ أَعطى الله كُلَّ رَجُلٍ مِن هذه الأمة رجُلاً فيقال: هذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ» .

وعن أنس قال: «خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا صوت يجيىء من شِعْبِ، فقال: يا أنس: قُمْ فانظرْ ما هذا الصوت، فانطلقت فإذا برجلٍ يُصلّي إلى شجرة، ويقول: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الأمة المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، المتاب عليها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: انطلق، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول لك: من أنت؟ فأتيته، فأعلمته ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأ مني السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقل له: أخوك الخضر يقول لك: ادع الله أن يجعلني من أمتك المرحومة المغفور لها» «١» . وقيل لعيسى بن مريم: هل بعد هذه الأمة أمة؟ قال: نعم، أمة أحمد. قيل: وما أمة أحمد؟ قال: علماء، حكماء، أبرار أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون باليسير من الرزق، ويرضى الله عنهم باليسير من العمل، يدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. هـ.

وليس أولها أولى بالمدح من آخرها، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أمتي كالمطر، لا يدرى أولهُ خيرٌ أو آخرُه» ؟ وفي خبر آخر عنه صلّى الله عليه وسلم قال: «اشتقْتُ إلى إخواني، فقال أصحابه: نحن إخوانُك يا رسول الله، فقال: أنتم أصْحَابي، إخْواني: ناس يأتُون بعدي، يُؤمنون بي ولم يَرَوْنِي، يَوَدُّ أحدُهم لو يَرَاني بجميع ما يَمْلِكُ. يَعْدِلُ عملُ أحدهم سبعين منكم. قالوا:

مِنْهم يا رسول الله؟ قال: منكم. قالوا: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنكم وَجَدْتُم على الخير أعواناً، وهم لم يَجِدُوا عليه أعواناً» . أو كما قال- عليه الصلاة والسلام-.

قلت: التفضيل باعتبار أجور الأعمال، وأما باعتبار اليقين والمعرفة، فالصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء- عليهم السلام- ويدل على هذا قوله- عليه الصلاة والسلام-: «يعدل عمل أحدهم» ، ولم يقل إيمان أحدهم «٢» .

والله تعالى أعلم.


(١) ذكره الحافظ ابن حجر بألفاظ مقاربة فى الإصابة ٢/ ١٢٢، وعزاه لابن عساكر وابن شاهين وابن عدى فى الكامل.
(٢) قال الحافظ ابن حجر: الجمهور على أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وزيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. انظر بقية كلامه فى الفتح ٧/ ٩. وانظر أيضا تفسير القرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>