يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ أحدًا بحيث ينقص من ثواب عمله، أو يزيد فى عقاب ما يستحقه، ولو مثقال ذرة. بل يجازي كلاً على قدر عمله. فإن كان صالحًا، ولو صغر قدره، عظم أجره. وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، بحسب الإخلاص. قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ يُعْطِي المُؤمنَ عَلى الحَسَنة ألفي ألف حَسَنة» ، ثم تلا إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ الآية.
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً، وخيرًا جسيمًا، فضلاً منه وإحسانا. قال صلّى الله عليه وسلم:«إنَّ الله لا يَظْلِمُ المُؤمنَ حَسنةً، بل يُثاب عَلَيها الرزْقَ فِي الدُنيَا ويجزيه بها في الآخِرَةِ. والكَافِر يعطيه بها في الدُّنيَا، فإذا كان يوم القيامة لم يكُن لَهُ حَسَنةٌ» .
الإشارة: كما أنَّ الحق تعالى لا يظلم طالبي الأجور، بل يضاعف لهم في زيادة الحور والقصور، كذلك لا يبخس طالبي القرب والحضور، ورفع الحُجب والستور. بل كلما فعلوا من أنواع المجاهدات ضاعف لهم أنوار المشاهدات. وكلما نقص لهم من الحس- ولو مثقال ذرة- زادهم في المعنى قَدْرَهُ وأكثر شهودًا ونظرة. وكلما يقهر النفس ولو مقدار الفتيل، شربوا مقداره وأكثر من خمرة الجليل، وهذا كله مع صحبة المشايخ أهل التربية، وإلاَّ فلا تزيده مجاهدته إلا حَجبًا وبعدًا عن الخصوصية. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر الحق تعالى الموطن الذي تظهر فيه مقادير الأعمال، فقال:
قلت:(كيف) إذا كان الكلام بعدها تامًا أُعربت حالاً، كقولك: كيف جاء زيد؟ وإذا كان ناقصًا، كانت خبرًا، كقولك: كيف زيد؟ وهي هنا خبر، أي: كيف الأمر أذا ... الخ. وهي مبنية لتضمنها معنى الاستفهام، والعامل في (إذا) مضمون المبتدأ، أو الخبر، أي: كيف يستقر الأمر أو يكون إذا جئنا؟ ومن قرأ (تَسوّى) بالشد، فأصله تتسوى، أدغمت الأولى في الثانية، ومن قرأ (لو تُسوّى) بالبناء للمفعول فحذف الثانية.
يقول الحق جلّ جلاله: فَكَيْفَ يكون حال هؤلاء الكفرة واليهود إِذا قامت القيامة وجِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يشهد عليها بخيرها وشرها، وهو نبيهم الذي أرسل اليهم، وَجِئْنا بِكَ أنت يا محمد عَلى هؤُلاءِ الأمة التي بعثت إليهم شَهِيداً عليهم، أو على صدق هؤلاء الشهداء شهيدًا، تشهد على صدق رسالتهم وتبليغهم؟ لعلمك بعقائدهم واستجماع شرعك مجامع قواعدهم، وقيل: عَلى هؤُلاءِ الكفرة المستفهم عن حالهم،