قلت: إِذْ يَتَنازَعُونَ: ظرف لقوله: (أَعْثَرْنا) ، لا ليعلموا، أي: أعثرناهم عليهم حين يتنازعون بينهم ... الخ، و (رَجْماً) : حال، أي: راجمين بالغيب، أو مفعول مُطلق، أي: يرجمون رجمًا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَكَذلِكَ أي: وكما أنمناهم وبعثناهم لازدياد يقينهم أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ:
أطلعنا الناس عليهم لِيَعْلَمُوا أي: ليعلم القوم الذين كانوا في ذلك الوقت أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ أي: وعده بالبعث والثواب والعقاب حَقٌّ صادق لا خُلْف فيه، أو: ثابت لا مرد له لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يُبعث، وَأَنَّ السَّاعَةَ أي: القيامة، التي هي عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعًا للحساب والجزاء، لا رَيْبَ فِيها: لا شك في قيامها، فإنَّ مَنْ شاهد أنه جلّ وعلا تَوفَّى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنة وأكثر، حافظًا لأبدانها من التحلل والفساد، ثم أرسلها كما كانت، لا يبقى معه ريب، ولا يختلجه شك، في أن وعده تعالى حق، وأنه يبعث مَنْ في القبور، ويجازيهم بأعمالهم.
وكان ذلك الإعثار إِذْ يَتَنازَعُونَ: حين كانوا يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ، في أمر البعث مختلفين فيه ففرقة أقرّت، وفرقة جَحَدّتْ، وقائل يقول: تُبعث الأرواح فقط، وآخر يقول: تُبعث جميعُ الأجسام بالأرواح، قيل:
كان ملك المدينة حينئذ رجلاً صالحًا، ملَكها ثمانيًا وعشرين سنة، ثم اختلف أهلُ مملكته في البعث كما تقدم، فدخل الملِكُ بيته وغلق الباب، ولبس مسحًا وجلس على رماد، وسأل ربه أن يظهر الحق، فألقى الله- عزّ وجل- في نفس رجل من ذلك البلد الذي فيه الكهف، أن يهدم بنيان فم الكهف، فهدم ما سدَّ به «دقيانوس» بابَ الكهفِ ليتخذه حظيرة لغنمه، فعند ذلك بعثهم الله- تعالى- فجرى بينهم من التقاول ما جرى.
رُوِيَ أنَّ المبعوث لمَّا دخل المدينة ليشتري الطعام، أخرج دراهمه، وكانت على ضرب (دقيانوس) ، فاتهموه أنه وجد كنزاً، فذهبوا به إلى الملك، فقص عليه القصة، فقال بعضهم: إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من