للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُزْ مُثَقلاً لو خَفَّ طَفَّ مُوكلاًّ ... بمَنْقُولِ أَحْكَامٍ ومَعْقُولِ حِكْمَه

قال شارحه: أمره بالمجاوزة عن المثقلين بأثقال العلوم الظاهرة، من الفقهاء، والمتكلمين بأحكام المنقولات، والفلاسفة الموكلين بالمعقولات والحكمة، ووصف مُثقلاً بأنه: لو خف طفا، أي: لأنه لو كان خفيفًا بوضع الأثقال عنه كان طفيفًا، لا يرى لنفسه قدرًا، واللازم منتف فالملزوم مثله هـ.

ثم إن البشر لا بد أن تعتريه أحكام البشرية، كالغضب وشبهه، كما بيّنه الحق تعالى بقوله:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٠١ الى ٢٠٢]

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)

قلت: الطيف- بسكون الياء-: مصدر طاف به الخيال يطيف طيفًا، أو مخفف من طيّف كهين ولين وميت.

ومن قرأ (طائف) : فاسم فاعل، والمراد به: لَمَّةُ الشيطان ووسوسته. وحذف مفعول (تذكروا) للعموم على ما يأتي في المعنى. وقوله: (فإذا هم مبصرون) : أتى بإذا الفجائية ليقتضي سرعة تيقظهم، وبالجملة الاسمية ولم يقل:

تذكروا فأبصروا ليفيد أنهم كانوا على البُصرى، وإنما السَّنة طرقتهم ثم رجعوا عنها.

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك والمعاصي، إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ أي:

لَمَّةُ منه، كما في الحديث: «إنَّ للشَّيطَانِ لَمّةٌ وللمَلكِ لَمّةَ ... » «١» الخ، فإذا أخذتهم تلك السنة وغفلوا تَذَكَّرُوا عقابَ الله وغضبه، أو ثواب الله وإنعامه، أو مراقبته والحياء منه، أو مننه وإحسانه، أو طرده وإبعاده، أو حجبه وإهماله، أو عداوة الشيطان وإغواءه، كلٌ على قدر مقامه، فلما تذكروا ذلك فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ بسبب ذلك التذكر، أي: فإذا هم على بصيرة من ربهم التي كانوا عليها قبل المس، أو: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيحترزون منها، ولا يعودون إليها بخلاف المنهمكين في الغفلة، كما قال تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ أي: وإخوان الشياطين، الذين لم يتقوا، يمدونهم، أي: ينصرونهم، ويكونون مددًا لهم في الضلال والغي بالتزيين والحمل عليه، ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ لا يُمسكون عن إغوائهم حتى يُوردوهم النار، أو: لا يقصر الكفار عن غيهم وضلالهم حتى يهلكوا.

الإشارة: البصيرة حارسة للقلب، الذي هو بيت الرب، فإذا نامت طرقها الشيطان، فإن كان نومها خفيفًا أحست به وطردته، وهذه بصيرة المتقين، الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا، وإذا كان نومها ثقيلاً سرق الشيطان ما فيها، ولم تفطن به، وهذه بصيرة الغافلين، الذين هم إخوان الشياطين.


(١) أخرجه الترمذي في (تفسير سورة البقرة، آية: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ....) من حديث عبد الله بن مسعود. والمراد باللمّة:
النزول والقرب، والمراد بها: ما يقع فى القلب بواسطة الشيطان أو الملك. فأما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان. راجع: النهاية (لمم ٤/ ٢٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>