وكان عبد الرحمن بن أبي نعيم لا يأكل في الشهر إلا مرة، فأدخله الحجاج بيتاً، وأغلق عليه بابه، ثم فتحه بعد خمسة عشر يوماً، ولم يشك أنه مات، فوجده قائماً يُصلي، فقال: يا فاسق، تصلي بغير وضوء؟ فقال: إنما يحتاج الوضوء من يأكل ويشرب، وأنا على الطهارة التي أدخلتني عليها. هـ. ومكث سفيان الثوري بمكة دهراً، وكان يَسفُّ من السبت إلى السبت كفاً من الرمل. هـ. وهذا من باب الكرامة، فلا يجب طردها، وقد تكون بالرياضة، وطريق المعرفة لا تتوقف على هذا. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله، حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً أي: حكمة، أو حُكماً بين الناس، أو نبوة لأن النبي ذو حُكم بين عباد الله. وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أي: الأنبياء، الذين صلحوا لحمل أعباء النبوة والرسالة، وصلحت سرائرهم للحضرة، ولقد أجابه بقوله: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي: ثناءً حسناً، وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي، فأُعطي ذلك، فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه، ووضَعَ اللسانَ موضعَ القول لأن القول يكون به. أو: واجعلني على طريق قويم، وحال مُرضي، يُقتدى بي فيهما، ويُحمد أثري بعد موتي، كما قيل:
وقد تحقق له جميع ذلك، وخصوصاً في هذه الأمة، حتى أنه مذكور ومقرون في كل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: سأل أن يجعله صالحاً، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن كاذباً. وقيل: سأل الإمامة في التوحيد والدين، وقد أجيب بقوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «١» هـ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ أي: اجعلني وارثاً من ورثة جنة النعيم، أي: الباقين فيها، وَاغْفِرْ لِأَبِي، أي: اجعله أهلاً للمغفرة، بإعطاء الإسلام إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ: الكافرين، أو: اغفر له على حاله.