للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبه شيء بالظلال، والظلال لا وجود لها من ذاتها، وإنما تابعة لشواخصها، ولذلك قالوا: ظلال الأشجار لا تعوق السفن عن التِّسْيار، فظلال الأكوان وأجرامها لا تعوق سفن الأفكار عن التسيار في بحار معاني الأسرار، بل تغيب عن ظلال حسها إلى فضاء شهود معانيها، فالعارف لا يحجبه عن الله شيء لنفوذه إلى شهود أسرار الربوبية في كل شيء، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر من تبع موسى، فقال:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٨٣]]

فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)

قلت: الضمير في «ملئهم» يعود على فرعون، وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء، أو باعتبار آل فرعون، كما يقال: ربيعة ومُضَر، أو على الذرية، أو على «قومه» ، و (ان يفتنهم) بدل من فرعون، أو مفعول بخوف، وأفرد ضمير الفاعل، فلم يقل: أن يفتنوهم للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسبب فرعون.

يقول الحق جلّ جلاله: فَما آمَنَ لِمُوسى أي: صدّقه في أول مبعثه إِلَّا ذُرِّيَّةٌ: إلا شباب وفتيان مِنْ قَوْمِهِ: من بني إسرائيل، آمنوا عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أي: مع خوف من فرعون وقومه، أو على خوف من فرعون وملأ بني إسرائيل لأن الأكابر من بني إسرائيل كانوا يمنعون أولادهم من الإيمان خوفاً من فرعون، وهذا أرجح. خافوا أَنْ يَفْتِنَهُمْ: يعذبهم حتى يردهم عن دينهم، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ: لغالب فيها، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ في الكفر والعُتُوِّ حتى ادعى الربوبية، واسترقَّ أسباط الأنبياء.

الإشارة: أهل التصديق بأهل الخصوصية قليل في كل زمان، وإيذاء المنتسبين لهم سنة جارية في كل أوان، فكل زمان له فراعين يُؤذون المنتسبين، والعاقبة للمتقين.

ثم أمرهم بالتوكل والثبات، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]

وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>