للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر خروج بنى إسرائيل إلى الشام وغرق فرعون، فقال:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٧ الى ٧٩]

وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩)

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي بعد ما لبث يدعو فرعون إلى الله تعالى ويُريه الآيات المفصلات، بعد غلبة السحرة، نحوًا من عشرين سنة، كما فصّل ذلك في الأعراف، فلما أيس من إيمانهم أوحى الله بالخروج عنهم، أي: والله لقد أوحينا إلى موسى أن أسر، أو بأن أسر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من يد فرعون، أي: سر بهم من مصر ليلاً إلى بحر القلزم. والتصدير بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها، والتعبير عنهم بعبادي لإظهار الرحمة والاعتناء بهم، والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون، حيث استعبدهم، وهم عباده عزّ وجلّ، وفعل بهم من فنون العذاب ما فعل. فَاضْرِبْ لَهُمْ أي: اجعل لهم، أو اتخذ لهم طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً أي: يابسًا لا ماء فيه، لا تَخافُ دَرَكاً أي: حال كونك آمنًا من أن يُدرككم العدو، وَلا تَخْشى الغرق. وقرأ حمزة: «لا تخف» بالجزم، جوابًا للأمر، فيكون (ولا تخشى) : إما استئناف، أي: وأنت لا تخشى، أو عطف عليه، والألف للإطلاق، أو يقدر الجزم، كقوله:

ألم يأتيك والأنْباءُ تَنْمِي «١» ... الخ.

وتقديم نفي خوف الدرك، للمسارعة إلى إزاحة ما كانوا عليه من الخوف، حيث قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ «٢» .

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي: تبعهم ومعه جنوده حتى لحقهم، يقال: اتبعتهم، أي: تبعتهم، إذا كانوا سبقوك ولحقتهم، ويؤيده قراءة: (فاتَّبَعَهُمْ) بالشد. وقيل: الباء زائدة، والمعنى: فأتبعهم فرعون جنودَه، أي: ساقهم خلفهم، وأيًا ما كان، فالفاء فصيحة مُعْربة عَن مضمر قد طوى ذكره، ثقة بظهوره، وإيذانًا بكمال مسارعة موسى إلى الامتثال، أي: فَفَعل ما أُمر به من الإسراء بهم، وضرب الطريق في البحر وسلكوه، فأتبعهم بجنوده برّا وبحرًا.

رُوِي أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل، وكانوا ستمائة وسبعين ألفًا، فأخبر فرعون بذلك، فأتبعهم بعساكره، وكانت مقدمته سبعمائة ألف، فقص أثرهم فلحقهم، بحيث تراءى الجمعان، فلما أبصروا رهجَ «٣» الخيل، قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ «٤» . فلما قربوا، قالوا: يا موسى أين نمضي، البحر أمامنا، وخيل فرعون خلفنا، فعند ذلك ضرب موسى عصاه البحر فانفلق على ثنتى عشرة فرقة،


(١) هذا صدر بيت عجزه: بما لاقت لبون بنى زياد. وهو لقيس بن زهير العبسي.. انظر تفسير القرطبي.
(٢) الآية ٦١ من سورة الشعراء. [.....]
(٣) الرّهج: الغبار.
(٤) الآيتان ٦١- ٦٢ من سورة الشعراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>