عوائدهم وقصدوا مولاهم، أنكروهم وأخرجوهم من أوطانهم، ولولا دفع الناس بعضهم ببعض بأن شفع خيارهم في شرارهم، لهدمت دعائم الوجود لأنَّ من آذى وليّاً فقد آذن بالحرب.
قال القشيري:(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ) ، أي: يتجاوز عن الأصاغر لِقَدْرِ الأكابر استبقاء لمنازل العبادة، تلك سُنَّة أجراها. ثم قال:(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي: لم يشتغلوا في ذلك بحظوظٍ، ولكن قاموا لأداء حقوقنا. هـ.
ولمّا بشّر نبيّه- عليه الصلاة والسلام- مع المؤمنين، بالدفع والنصر على سائر الملل، سلّاه عن تكذيب قومه بقوله:
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا مُحمد، أي: أهل مكة، فلا تحزن فلست بأول من كُذب، فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي: قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ نوحاً، وَعادٌ هودًا، وَثَمُودُ صالحًا، وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ إبراهيم، وَقَوْمُ لُوطٍ لوطًا، وَأَصْحابُ مَدْيَنَ شعيبًا، وَكُذِّبَ مُوسى كذَّبه فرعونُ والقبط. ولم يقل: وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل، وإنما كذبه القبطُ. أو: كأنه لمَّا ذكر تكذيب كلُّ قوم رسولهم، قال: وكُذِّب موسى، مع وضوح آياته وظهور معجزاته، فما ظنك بغيره؟ فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ:
أمهلتهم وأخرت عقوبتهم، ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ: عَاقَبْتُهم على كفرهم، أي: أخذت كل فريق من فِرَقِ المكذبين، بعد انقضاء مدة إملائه وإمهاله، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي: إنكاري وتغييري حيث أبدلتهم بالنعم نقمًا، وبالحياة هلاكًا، وبالعمارة خرابًا، فكان ذلك في غاية ما يكون من الهول والفظاعة.
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أي: كثيرًا من القرى أهلكناها وخربناها بإهلاك أهلها، وَهِيَ ظالِمَةٌ أي: والحال أنها ظالمة بالكفر والمعاصي، فَهِيَ خاوِيَةٌ: ساقطة على عُرُوشِها، من خوى النجم: سقط. والمعنى أنها ساقطة على سقوفها، أي: خربت سقوفُها على الأرض، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف. ويجوز أن يكون «على عروشها» : خبرًا بعد خبر، أي: فهي خالية من السكان، وهي على عروشها، أي: قائمة مشرفة على السقوف الساقطة. وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أي: وكم من بئر متروكة مهملة في البوادي والحواضر، لا يستسقى منها