يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ الأربع. وقرأ المكي: بالإفراد. فَتُثِيرُ أي: تزعج سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ أي: يجعله منبسطاً، متصلاً بعضه ببعض في سَمت السماء، كقوله: وَفَرْعُها فِي السَّماءِ «١» ، أي: جهته. فيبسطها في الجو كَيْفَ يَشاءُ سائراً أو واقفاً، مطبقاً وغير مطبق، من ناحية الشمال، أو الجنوب، أو الدََّبُورِ، أو الصَّبَا، وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أي: قطعاً متفرقة. والحاصل: أنه تارة يبسطه متصلاً مطبقاً، وتارة يجعله قطعاً متفرقة، على مشيئته وحكمته. فَتَرَى الْوَدْقَ المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وسطه.
فَإِذا أَصابَ بِهِ بالودق مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، يريد إِصابةَ بلادهم وأراضيهم، إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يفرحون بالخصب، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ المطر مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ آيسين، وكرر «من قبله» للتوكيد، وفائدته: الإعلام بسرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار، أو: على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم يأسُهُم، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ أي: المطر كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات وأنواع الثمار بَعْدَ مَوْتِها يبسها، إِنَّ ذلِكَ أي: القادر عليه لَمُحْيِ الْمَوْتى فكما أحيا الأرض بعد يبسها، يحيي الأجساد بعد رميمها، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وهذا من جملة مقدوراته تعالى.