يقول الحق جلّ جلاله: سَتَجِدُونَ قوماً آخَرِينَ منافقين، وهم أسد وغطفان، قَدِمُوا المدينة، وأظهروا الإسلام نفاقًا ورياء إذا لقوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنا على دينك، يريدون الأمن، إذا لقوا قومهم، وقالوا لأحدهم: لماذا أسلمت، ومن تعبد؟ فيقول: لهذا القرد ولهذا العقرب والخنفساء، يُرِيدُونَ بإظهار الإسلام أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ، كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها، أي: كلما دُعُوا إلى الكفر رَجَعُوا إليه أقبحَ رد، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أي: ولم يلقوا إليكم المسالمة والصلح، ولم يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ بأن تعرضوا لكم وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: وجدتموهم، وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً، أي: تسلطاً مُبِيناً ظاهرًا، لظهور كفرهم وثبوت عداوتهم.
الإشارة: النفوس على ثلاثة أقسام: قسم مطلقة العنان في الجرائم والعصيان، وهي النفوس الأمارة، وإليها الإشارة بالآية قبلها، والله أعلم. وقسم مذبذبة تارة تظهر الطاعة والإذعان، تريد أن يأمنها صاحبها، وتارة ترجع إلى الغي والعصيان، مهما دعيت إلى فتنة وقعت فيها، فإن لم تنته عن ذلك، وتكف عن غيها، فالواجب جهادها وقتلها حتى تنقاد بالكلية إلى ربها، وأما النفس المطمئنة فلا كلام معها لتحقق إسلامها، فالواجب الكف عنها وحبها. والله تعالى أعلم.
ولما فرغ من حفظ الأديان تكلم على بقية حفظ الأبدان، فقال:
قلت:(وما كان لمؤمن) النفي هنا بمعنى النهي، كقوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، و (إلا خطًأ) : استثناء منقطع، و (خطأ) : حال، أو مفعول من أجله، أو صفة لمصدر محذوف، أي: لا يحل له أن يقتل مؤمنًا في حال من الأحوال، لكن إن وقع خطّأ فحكمه ما يأتي. وقيل: متصل. انظر ابن جزي. أو: إلا قتلا خطّأ، و (إلا أن يصدقوا) : حال، أي: إلا حال تصدقهم، و (توبة) : مفعول من أجله، أي: شرع ذلك لأجل التوبة. أو، مصدر، أي: تاب عليكم توبة.