الإشارة: من علامة الغفلة عن الله: الإنكار على أولياء الله، والإعراض عما خصهم الله تعالى به من الآيات وخوارق العادات، كالعلوم اللدنية والمواهب القدسية، وكمال المعرفة، والرسوخ في اليقين، وشهود رب العالمين، مع الاشتغال بعمارة هذه الدار، ونسيان دار القرار كأنه أمن من الموت من شدة الاغترار. وسبب ذلك: عدم التفكر والاعتبار. ولذلك قال تعالى بإثر قصص من أهلكهم من الأمم الغافلة:
يقول الحق جلّ جلاله: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما من الكائنات إِلَّا بِالْحَقِّ أي:
إلا خلقاً ملتبساً بالحق، وهو الدلالة على كمال قدرتنا وباهر حكمتنا، فمن كمال القدرة: إهلاك أهل الفساد، ودفع شرورهم وإبطال فسادهم، ومن باهر حكمته أنه لم يهلكهم إلا بسبب عتوهم وفسادهم. فالحكمة رداء للقدرة، القدرة تبرز، والحكمة تستر، فإظهار الكائنات يدل على كمال القدرة، وترتيبها على أسباب وشروط يدل على باهر الحكمة. ومن مقتضيات الحكمة: ترتيب الجزاء على العمل، بحيث لا يهمل عملاً، فأهل الإكرام يترتب إكرامهم وإنعامهم على عملهم الصالح، واعتقادهم الصحيح، وما قاسوه من المجاهدة والمكابدة. وأهل الانتقام يترتب الانتقام منهم على عملهم الفاسد، واعتقادهم الباطل، وعلى ما قالوا في الدنيا، التي هي مزرعة الآخرة، من الدعة والحظوظ الفانية، ولذلك رتَّب عليه قوله:
وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فيجازي فيها من يستحق الإكرام، ويعاقب من يستحق الانتقام، وينتقم لك فيها ممن يكذبونك، فَاصْفَحِ اليوم الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ولا تعجل بالانتقام، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. وكان هذا قبل الأمر بالقتال. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الذي خلقك وخلقهم، وبيده أمرك وأمرهم، الْعَلِيمُ بحالك وبحالهم، فهو الحقيق بأن تتكل عليه حتى يحكم بينك وبينهم. أو: هو الخلاق لأشباحكم وأرواحكم، العليم بما هو الأصلح لكم في الوقت، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح. والخلاق أبلغ من الخالق باعتبار اللغة، وأفعال الله تعالى كلها عظيمة كثيرة.
الإشارة: ما نصبت لك الكائنات لتراها بعين الفرق، بل لترى فيها مولاها بعين الجمع. وما جعل لك هذه الدار لتتخذها دار القرار، وإنما جعلها قنطرة ومعبراً لدار القرار. إنما جعل لك الدنيا الفانية مزرعة للدار الباقية. وإن الساعة لآتية، فاصبر في هذه الدار اللمحة اليسيرة على شدائد الزمان، وجفوة الإخوان، واصفح الصفح الجميل،