للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صاحب العينية:

تَجلَّى حَبِيبي فِي مَرَائِي جَمَالِهِ ... فَفِي كُلِّ مَرْئِيّ لِلْحَبِيبِ طَلاَئِعُ

فَلَمَّا تَبَدَّى حُسْنُه مُتَنوعاً ... تَسمَّى بأسْماءٍ فهُنَّ مَطَالِعُ

فما برز في عالم الشهادة هو من عالم الغيب على التحقيق، فرياض الملكوت فائضة من بحر الجبروت، (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان) ، ولا يعرف هذا ذوقًا إلا أهل العيان، الذين وحدوا الله في وجوده، وتخلصوا من الشرك جليه وخفيه، الذي أشار إليه بقوله:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٢]

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)

قلت: (الجن) : مفعول أول لجعلوا، و (شركاء) : مفعول ثانٍ، وقدّم لاستعظام الإشراك، أو (شركاء) : مفعول أول، و (لله) : في موضع المفعول الثاني، و (الجن) : بدل من شركاء، وجملة (خلقهم) : حال، و (بديع) : خبر عن مضمر، أو مبتدأ وجملة (أنَّى) : خبره، وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي: مبدع السموات، أو إلى فاعلها: أي: بديع سمواته، من بَدُعَ إذا كان على نمط عجيب، وشكل فائق، وحُسن لائق.

يقول الحق جلّ جلاله، توبيخًا للمشركين: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ في عبادته، وهم الْجِنَّ أي:

الملائكة لاجتنانهم أي: استتارهم، فعبدوهم واعتقدوا أنهم بنات الله، أو الجن حقيقة، وهم الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يُطاع الله تعالى، أو: عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم، فقد أشركوا مع الله، وَالحال أن الله قد خَلَقَهُمْ أي: الجن أي: عبدوهم وهم مخلوقون، أو الضمير للمشركين، أي: عبدوا الجن، وقد عَلِمُوا أن الله قد خلقهم دون الجن لعجزه، وليس من يَخلُق كمَن لا يَخلُق.

وَخَرَقُوا لَهُ أي: اختلفوا وافترَوا، أو زوَّرُوا برأيهم الفاسد له بَنِينَ كالنصارى في المسيح، واليهود في عُزَير، وَبَناتٍ كقول العرب في الملائكة: إنهم بنات الله- تعالى الله عن قولهم- قالوا ذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: بلا دليل ولا حجة، بل مجرد افتراء وكذب، سُبْحانَهُ وَتَعالى أي: تنزيهًا له، وتعاظم قدره عَمَّا يَصِفُونَ من أن له ولدًا أو شريكًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>