فما برز في عالم الشهادة هو من عالم الغيب على التحقيق، فرياض الملكوت فائضة من بحر الجبروت، (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان) ، ولا يعرف هذا ذوقًا إلا أهل العيان، الذين وحدوا الله في وجوده، وتخلصوا من الشرك جليه وخفيه، الذي أشار إليه بقوله:
قلت:(الجن) : مفعول أول لجعلوا، و (شركاء) : مفعول ثانٍ، وقدّم لاستعظام الإشراك، أو (شركاء) : مفعول أول، و (لله) : في موضع المفعول الثاني، و (الجن) : بدل من شركاء، وجملة (خلقهم) : حال، و (بديع) : خبر عن مضمر، أو مبتدأ وجملة (أنَّى) : خبره، وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي: مبدع السموات، أو إلى فاعلها: أي: بديع سمواته، من بَدُعَ إذا كان على نمط عجيب، وشكل فائق، وحُسن لائق.
يقول الحق جلّ جلاله، توبيخًا للمشركين: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ في عبادته، وهم الْجِنَّ أي:
الملائكة لاجتنانهم أي: استتارهم، فعبدوهم واعتقدوا أنهم بنات الله، أو الجن حقيقة، وهم الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يُطاع الله تعالى، أو: عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم، فقد أشركوا مع الله، وَالحال أن الله قد خَلَقَهُمْ أي: الجن أي: عبدوهم وهم مخلوقون، أو الضمير للمشركين، أي: عبدوا الجن، وقد عَلِمُوا أن الله قد خلقهم دون الجن لعجزه، وليس من يَخلُق كمَن لا يَخلُق.
وَخَرَقُوا لَهُ أي: اختلفوا وافترَوا، أو زوَّرُوا برأيهم الفاسد له بَنِينَ كالنصارى في المسيح، واليهود في عُزَير، وَبَناتٍ كقول العرب في الملائكة: إنهم بنات الله- تعالى الله عن قولهم- قالوا ذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: بلا دليل ولا حجة، بل مجرد افتراء وكذب، سُبْحانَهُ وَتَعالى أي: تنزيهًا له، وتعاظم قدره عَمَّا يَصِفُونَ من أن له ولدًا أو شريكًا.