للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال: (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم: اخسئوا فيها فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون: ربنا آمنا بطريق الحصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي: غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.

قال القشيري: الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم: كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.

قوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ.... إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضعاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية: الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

ثم تمم توبيخهم يوم القيامة بقوله:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١٥ الى ١١٨]

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)

قلت: (أَفَحَسِبْتُمْ) : المعطوف محذوف، أي: ألم تعلموا شيئاً فحسبتم، و (عَبَثاً) : حال، أو مفعول من أجله.

<<  <  ج: ص:  >  >>