للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا يجازيهم عليه؟ وفيه تهديد عظيم لهم، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ، حيث أنعم عليهم بالعقل، وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع لهم الأحكام، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ هذه النعمة.

قال ابن عطية: ثنَّى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان، والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة، ثم استدرك من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره، ولا يبادر فيه على جهه الذم لهم، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله، وجميع تقصير الخلق في شكره، لا رب غيره. هـ.

الإشارة: الوقوف مع حدود الشريعة، والتمسك بالسنة النبوية قولاً وفعلاً، وأخذاً وتركاً، والاهتداء بأنوار الطريقة تخلية وتجلية، هو السير إلى أسرار الحقيقة، فمن تخطى شيئاً من ذلك فقد حاد عن طريق السير.

وبالله التوفيق.

ثم هددهم بمراقبته عليهم، فقال:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٦١]]

وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١)

قلت: الضمير في مِنْهُ يعود على القرآن، وإن لم يتقدم ذكره لدلالة ما بعده عليه، كأنه قال: وما تتلو شيئاً من القرآن، وقيل: يعود على الشأن، والأول أرجح لأن الإضمار قبل الذكر تفخيم للشيء. قاله ابن جزي. قلت:

والأحسن أن يعود على الله تعالى لتقدم ذكره قبل، ومن قرأ: وَلا أَصْغَرَ، وَلا أَكْبَرَ بالفتح فعطف على مِثْقالِ ممنوع من الصرف، أو مبني مع «لا» ، ومن قرأ بالرفع فعطف على موضعه، أو مبتدأ، وإِلَّا فِي كِتابٍ:

خبر.

يقول الحق جلّ جلاله: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ أي: أمر من الأمور، والخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلّم والمراد هو وجميع الخلق، ولذلك قال في آخرها. وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ، ومعنى الآية: إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ أي: وما تتلو شيئاً من القرآن، أو وما تتلو من الله من قرآن، أي: تأخذه عنه.

وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ أي عمل كان، وهو تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم «١» ، ولذلك ذكر الحق تعالى، حيث خص بالذكر ما فيه فخامة وتعظيم، وذكر حيث عمم ما يتناول الجليل والحقير، أي: لا تعملون شيئا


(١) أي: رأس المخاطبين، وهو رأس الوجود، سيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام-.

<<  <  ج: ص:  >  >>