يقول الحق جلّ جلاله:{هل أتاك حديثُ الغاشيةِ} أي: قد أتاك، والأحسن: أنه استفهام أُريد به التعجُّب مما في حيّزه، والتشويق إلى استماعه، وأنه من الأحاديث البديعة التي من حقها أن تتناولها الرواية، ويتنافس في تلقيها الوعاة من كل حاضر وباد. والغاشية: الداهية الشديدة التي تغشى الناس بشدائدها وتكتنفهم بأهوالها، من قوله تعالى:{يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ}[العنكبوت: ٥٥] الخ.
ثم فصّل أحوالَ الناس فيها، فقال:{وجوه يومئذٍ خاشعةٌ} ، فهو استئناف بياني نشأ عن سؤال من جهته صلى الله عليه وسلم، كأنه قيل: ما أتاني حديثها فما هو؟ فقال:{وجوه يومئذ} أي: يوم إذ غشيت {خاشعة} ؛ ذليلة، لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان، و {وجوه} متبدأ، سوّغه التنويع، و (خاشعة) خبر، و {عاملة ناصبة} : خبران آخران، أي: تعمل أعمالاً شاقة في النار، تتعب فيها مِن جرّ السلاسل والأغلال، والخوض في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط من تلال النار ووهادها، وقيل: عملت في الدنيا أعمال السوء، والتذّت بها، فهي يومئذ ناصبة منها، {تَصلى} أي: تدخل {ناراً حامية} ؛ متناهية في الحر مُدداً طويلة، {تُسْقَى من عينٍ آنيةٍ} أي: من عين ماء متناهية في الحرّ، والتأنيث في هذه الصفات والأفعال راجع إلى الوجوه، والمراد أصحابها، بدليل قوله:{ليس لهم طعامٌ إِلاّ من ضريع} ، وهو نبت يقال لِرَطْبِه: الشَّبرِق على وزن زِبْرج، تأكله الإبل رطباً فإذا يبس عافته، وهو الضريع، وهم سمٌّ قاتل، وفي الحديث: " الضريع شيء