للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: فَمَن يُرد الله أَن يهديه لسر الخصوصية ونور الولاية يشرح صدره للدخول في طريقها، ويوفقه لبذل نفسه وروحه في تحصيلها، ويصبَّرُه على حمل لأوائها «١» ، وينهضه إلى السير في ميدانها، بعد أن يسقطه على شيخ كامل عارف بطريقها، فيحققه بخصوصيته، ويطلعه على سر ولايته، حتى يُلقى القياد إليه بكليته، فلا يَزَالُ يُسَايره حتى يقوله له: ها أنت وربك. ومن يُرد أن يضله عنها يجعل صدره ضيقًا عن قبولها، حرجًا عن الدخول فيها، حتى يثقل عليه حمل أعبائها، أو ينكر وجود أهلها، كذلك يجعل الله رجس حجابه على الذين لا يؤمنون بطريق الخصوص، فإنه طريق مستقيم يُوصل إلى حضرة النعيم في الدنيا والآخرة. وبالله التوفيق.

ثم ذكر ما أعدّ لأهل التوفيق، فقال:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٧]]

لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧)

يقول الحق جلّ جلاله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ التي هي الجنة. والسلام اسم الحق تعالى، وأضافها إلى نفسه تعظيمًا لها، أو دار السلامة من المكاره، أو دار التحية تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ «٢» ، عِنْدَ رَبِّهِمْ ذخيرة لهم عنده حين يقدمون عليه، لا يعلم كنهها غيره، أو في ضمانه وكفالته، وَهُوَ وَلِيُّهُمْ أي: مولاهم وناصرهم في الدارين، بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: بسبب أعمالهم، أي: تولاهم بسبب أعمالهم الصالحة، فيحفظهم في الدنيا، هم وذريتهم، ويحفظهم في الآخرة كذلك.

الإشارة: من هداه الله لطريق الخصوصية، واستعمله في الوصول إليها، ووصله إلى من يسيره إليها، فقد دخل دار السلام قبل موته، فللَّه جنتان جنة المعارف وجنة الزخارف، [من دخل جنة المعارف لم يشتق إلى جنة الزخارف] «٣» ، لأن الله تولاه وأغناه عما سواه.

ثم ذكر ما أعد لأهل الخذلان، فقال:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)


(١) أي: شدتها.
(٢) من الآية ١٠ من سورة يونس.
(٣) وددت لو أن الشيخ المفسر- رحمه الله- ترك هذه العبارة المشعرة بدونية ما أطلق عليه جنة الزخارف. وهى الدار التي سماها الله عز وجل «دار السلام» وفيها يتحقق للمؤمن رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم وفوق هذا: رؤية الله تعالى. فكيف لا يشتاق المؤمن إلى هذه الجنة؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>