حسنه، وكل ما في الجنة مستغرق في ذلك النور، فيزيد عليه ضوء الجبروت والملكوت، فخلق منه حواء ليسكن آدم إليها، ويستوحش بها سُوَيعات من سطوات التجلي، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة- رضي الله عنها-: «كلميني يا حُميراء» . ثم قال: وقال بعضهم: خلقها ليسكن آدم إليها، فلما سكن إليها غفل عن مخاطبة الحقيقة، بسكونه إليها، فوقع فيما وقع من تناول الشجرة. هـ. فكل من سكن إلى غير الله تعالى كان سكونه بلاء في حقه، يخرجه من جنة معارفه. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: أَيُشْرِكُونَ مع الله أصنامًا جامدة، لا يَخلقون شيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، فهي مخلوقة غير خالقة. والله تعالى خالق غير مخلوق، وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً أي: لا يقدرون أن ينصروا من عبدهم، وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها، فهي في غاية العجز والذلة، فكيف تكون آلهة؟
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ أي: وإن تدعو الأصنام إلى الهدى لا تجيبكم، فلا تهتدي إلى ما دعيت إليه لأنها جمادات، أو: وإن تدعوهم إلى أن يهدوكم إلى الحق لا تجيبكم، سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ عن دعائهم، فالدعاء في حقهم وعدمه سواء، وإنما لم يقل: أم صمتم ليفيد الاستمرار على عدم إجابتهم لأن الجملة الاسمية تقتضي الاستمرار.
ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله، هم عِبادٌ أَمْثالُكُمْ من حيث أنها مسخرة مملوكة، فكيف يعبد العبد مع ربه، فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنها تستحق أن تُعبد، والأمر للتعجيز لأن الأصنام لا تقدر أن تجيب فلا تستحق أن تعبد ثم عاد عليهم بالنقض فقال: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، ومعناه: أن الأصنام جمادات عادمة للحس والجوارح والحياة، ومن كان كذلك لا يكون