الإشارة: من أوصاف الصوفية- رضى الله عنهم- أنهم هينون لينون كلَّفة حرير، لا ينطقون إلا بالكلام الحسن، ولا يفعلون إلا ما هو حسن، ويفرحون ولا يحزنون، وينبسطون ولا ينقبضون. من رأوه مقبوضًا بسطوه، ومن رأوه حزينًا فرّحوه، ومن رأوه جاهلاً أرشدوه بالتي هي أحسن. وهم متفاوتون في هذا الأمر، مفضل بعضهم على بعض في الأخلاق والولاية، فكل من زاد في الأخلاق الحسنة زاد تفضيله عند الله. وفي الحديث:«إنَّ الرَّجلُ لَيُدرِكُ بحُسْن الخلُق، دَرَجََة الصَائِم النهار، القَائِمِ اللَّيْل»«١» . وبالله التوفيق.
قلت:(أُولئِكَ) : مبتدأ، و (الَّذِينَ يَدْعُونَ) : صفته، و (يَبْتَغُونَ) : خبره. وضمير «تَحْوِيلًا» : للكفار، وفى «يَدْعُونَ» :
للآلهة المعْبُودين. وقيل: الضمير في «يَدْعُونَ» و «يَبْتَغُونَ» : للأنبياء المذكورين قبلُ في قوله: فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ، والوسيلة: ما يتوسل به ويتقرب إلى الله، و (أَيُّهُمْ) : بدل من فاعل (يَبْتَغُونَ) ، و «أيّ» : موصولة، أي:
يبتغي من هو أقرب إليه تعالى- الوسيلة، فكيف بمن دونه؟ أو ضمَّنَ معنى يبتغون: يحرصون، أي: يحرصون أيهم يكون إليه تعالى أقرب؟
يقول الحق جلّ جلاله: قُلِ لهم: ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم آلهة تعبدونهم مِنْ دُونِهِ كالملائكة والمسيح وعُزير، أو كالأصنام والأوثان، فَلا يَمْلِكُونَ لا يستطيعون كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، كالمرض والفقر والقحطِ، وَلا تَحْوِيلًا لذلك عنكم إلى غيركم، قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أنهم آلهة، هم في غاية الافتقار إلى الله والتوسل إليه، كلهم يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أي: التقرب بالطاعة، ويحرصون أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إلى الله من غيره، فكيف يكونون آلهة؟ أو: أولئك الذين يدعونهم آلهة، يطلبون إلى ربهم الوسيلة
(١) أخرجه، بنحوه، أحمد فى المسند (٦/ ١٣٣) وأبو داود فى (الأدب، باب فى حسن الخلق) عن عائشة رضي الله عنه، وأخرجه الحاكم في المستدرك (١/ ٦٠) عن أبى هريرة، وصححه، ووافقه الذهبي.