للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام الحكمة معه ضرب من الاختيار، وقد يسمعون كلام القدرة من الهواتف الغيبية، ومن الجمادات على وجه الكرامة، وكله بحرف وصوت. نعم ما يقع من الهواتف القلبية والتجليات الباطنية، قد يكون بلا حرف ولا صوت، وقد تحصل لهم المكالمة بالإشارة بلا صوت ولا حرف، فقوله: (بل أسمعه بحرف القدرة وصوت الأزلية ... ) الخ.

إن أراد به التجليات الباطنية فمسلَّم، لكن ظاهره أن كلام الحق الذي يُسمعه لأنبيائه وأوليائه محصور في ذلك، وأنه لا يكون إلا بلا حرف ولا صوت. وليس كذلك.

وقوله: (وليس في ولاية الأزل من رسوم أهل الآجال شيء) الخ، معناه: لم يبق في ولاية أهل مشاهدة الأزل من رسوم الحوادث شيء. قلت: لكنهم يثبتونها حكمةً، ويمحونها قدرةً ومشاهدة، ولا يلزم من محوها عدم صدور الكلام منها بالحرف والصوت فإن البشرية لا تطيق سماع كلام الحق بلا واسطة الحكمة، كما هو معلوم.

والله تعالى أعلم.

ثم شهد لرسوله بالوحى والرسالة، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ١٦٦]]

لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦)

قلت: (لكن) : حرف استدراك، وهو عن مفهوم ما تقدم، وكأنه قال: إنهم لا يشهدون بوحينا إليك. لكن الله يشهد بذلك.

يقول الحق جلّ جلاله في الرد على اليهود لما قالوا للنبى صلّى الله عليه وسلم: لا نشهد لك بما أوحى إليك.

فقال تعالى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ إن لم يشهدوا به، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ أي: متلبسًا بعلمه الخاص به، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل بليغ. أو متلبسًا بعلمه الذي يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم. أو بعلمه المتعلق بمن يستأهل نزول الكتب إليه، وَالْمَلائِكَةُ أيضًا يشهدون بذلك. وفيه تنبيه على أن الملائكة يودُّون أن يعلم الناس صحة دعوى النبوة، على وجه يستغني عن النظر والتأمل، وهذا النوع من خواص الملك، ولا سبيل للإنسان إلى العلم بأمثال ذلك، سوى التفكر والنظر، فلو أتى هؤلاء بالنظر الصحيح لعرفوا نبوتك، وشهدوا بها كما عرفت الملائكة وشهدوا. قاله البيضاوي، وقد يخلق الله العلم في قلب الإنسان من غير تفكر ولا نظر، بل هداية من المالك القدير. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً لرسوله عن شهادة غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>