قال البيضاوي: الحكمة: تحقيق العلم وإتقان العمل. هـ. وقيل: هي سرعة الجواب وإصابة الصواب، وقيل:
كل فضل جَزْلٍ من قول أو فعل.
يقول الحق جلّ جلاله، يُؤْتِي الحق تعالى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ من عباده، وهي التفقّه في الدين والتبصر في الأمور. قال صلّى الله عليه وسلم:«مَنْ يُرد اللهُ به خيراً يُفقِّهْه في الدين، ويُلهمْه رُشْدَه» ، وقيل: الحكمة: الإصابة في الرأي. وقيل: الفهم في كتاب الله. وقيل: الفهم عن الله. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ أي: أعطيها، فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لأنه حاز خيرَ الدارَيْن، ولا شك أن مَن حقَّق العلم بالله وبأحكامه، وأتقنَ العملَ بما أمره الله به، فقد صفا قلبه، وتطهر سره، فصار من أولي الألباب ولذلك قال عقبه: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.
الإشارة: الحكمة هي: شهود الذات مرتديةً بأنوار الصفات، وهي حقيقة المعرفة، ومن عرف الله هابه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:«رأس الحكمة مخافة الله» . وقيل: هي تجريد السر لورود الإلهام، وقيل: هي النور المفرق بين الوسواس والإلهام، وقيل: شهود الحق تعالى في جميع الأحوال. والتحقيق: أن الحكمة هي إبداع الشيء وإتقانه حتى يأتي على غاية الكمال، ويجري ذلك في العلم والعمل والحال والمعرفة.
وقال القُشَيْري: الحكمة: أن يَحكم عليك خاطر الحق لا داعي الباطل، وأن تحكم قواهر الحق لا زواجر الشيطان.
ويقال: الحكمة: صواب الأمر، ويقال: هي ألا تغلب عليك رعونات البشرية، ومنْ لا حُكْم له على نَفْسِه لا حُكْمَ له على غيره. ويقال: الحكمة: موافقة أمر الله، والسفه: مخالفة أمره، ويقال: الحكمة شهود الحق، والسفه: شهود الغير.
قاله المحشي.
واعلم أن الصوفية، في اصطلاحهم، يُعبِّرون عن أسرار الذات بالقدرة، وعن أنوار الصفات- وهي ظهور آثارها- بالحكمة. فالوجودُ كله قائم بين الحكمة والقدرة، فالقدرة تُبرز الأشياء، والحكمة تَسترها. فربط الأشياء واقترانها بأسبابها تُسمى عندهم الحكمة، وإنفاذ الأمر وإظهاره يسمى القدرة، فمن مع الحكمة حجب عن