الإشارة: لم يَبرَأ من الشرك الخفي والجلِي إلا أهلُ الفناء الذين وحدوا الله في وجوده، فلم يروَا معه سواه. قال بعضُ من بلغ هذا التوحيد:(لو كُلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى أشهده) وقال آخر: مُحال أن تشهده وتشهد معه سواه. وقال شاعرهم:
يقول الحق جلّ جلاله الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِن اليهود والنصارى، يَعْرِفُونَهُ أي: محمدا صلّى الله عليه وسلّم بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل، كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ أو أشد، وإنما كتموه جحدًا وخوفًا على رياستهم.. الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من أهل الكتاب حيث كذَّبوا وكتموا، ومن المشركين حيث كفروا وجحدوا، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لتضييعهم ما به يُكتسب الإيمان من النظر والتفكير والإنصاف للحق، فقد ظلموا أنفسهم وبخسوها.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن كتم شهادة الحق، وهي صفة الرسول- عليه الصلاة والسلام- أو ادّعاء الملائكة بذات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ كالقرآن والمعجزات وسمَّوها سِحرًا، أي: لا أحد أظلم ممن فَعل هذا، وإنما عبَّر ب «أو» ، وهم قد جمعوا بين الأمرين تنبيهًا على أن كل واحد منهما وحده بالِغٌ غاية الإفراط في الظلم على النفس، إِنَّهُ أي: الأمر والشأن لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، فضلاً عمّن لا أحد أظلم منه.
الإشارة: أقبحُ الناس منزلة عند الله، من تحقق بخصوصية وليّ من أولياء الله، ثم كَتمها وجَحدها حسدًا وعنادًا، وجعل يُنكر عليه، فقد آذن بحرب من الله، فالتسليمُ عناية، والانتقاد جناية، والاستنصافُ من شأن الكرام، والتعصب من شأن اللئام. وبالله التوفيق.