يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن أسلم من اليهود، لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ إيماناً حقيقياً، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من التوراة، حال كونهم خاشِعِينَ لِلَّهِ خاضعين مخبتين وافين بالعهد، لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا، كما فعل المحرفون من أحبار اليهود، أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: ما وعدوا به من تضعيف أجرهم مرتين، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيُسرع إلى توفية أجورهم وإكرام منقلبهم لأن الله عالم بالأعمال وما تستوجبه من النوال، فلا يحتاج إلى تأمل ولا احتياط لأنه غني عن التأمل والاحتياط.
وقيل: نزلت في النصارى: أربعين من نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا.
وقيل: نزلت في النجاشي، لما نَعَاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج- عليه الصلاة والسلام-، وصلّى عليه، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا، يصلّي على عِلْجٍ «١» نصراني، فنزلت الآية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قد رأينا بعض الفقهاء حصل لهم الإيمان بخصوص أهل زمانهم، فتحققوا بولايتهم، ونالوا شيئاً من محبتهم، لكن لم تساعفهم الأقدار في صحبتهم، فظهرت عليهم آثار أنوارهم، واقتبسوا شيئاً من أسرارهم، فتنوّرت سريرتهم، وكملت شريعتهم، وأظهر عليهم آثار الخشوع، وأخذوا حظّاً من التواضع والخضوع، متخلقين بالقناعة والورع، قد ذهب عن قلبهم ما ابتلى به غيرهم من الجزع والهلع، فلا جرم أن هؤلاء لهم أجرهم مرتين: أجر ما تحملوا من الشريعة لنفع العوام، وأجر ما اكتسبوا من محبة القوم «المرءُ مَع مَنْ أَحب» . وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.