فعبادة العارفين: بالله ومن الله وإلى الله، وعبادة الجاهلين: بأنفسهم ومن أنفسهم ولأنفسهم، عبادة العارفين حمد وشكر، وعبادة الغافلين اقتضاء حظ وأجر، عبادة العارفين قلبية باطنية، وعبادة الغافلين حسية ظاهرية، يا أيها الناس المخصوصون بالأنس والقرب دوموا على عبادة القريب، ومشاهدة الحبيب، فقد رَفَعْتُ بيني وبينكم الحجب والأستار، وأشهدتكم عجائب الألطاف والأسرار، أبرزتكم إلى الوجود، وأدخلتكم من باب الكرم والجود، ومنحتكم بفضلي غاية الشهود، لعلكم تتقون الإنكار والجحود، وتعرفونني في كل شاهد ومشهود.
فقد جعلت أرض نفوسكم مهادا لعلوم الشريعة، وسماء قلوبكم سقفاً لأسرار الحقيقة، وأنزلت من سماء الملكوت ماء غيبياً تحيا به أرض النفوس، وتهتز بواردات حضرة القدوس، فتخرج من ثمرات العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، والأحوال المرضية، ما تتقوت به عائلة المستمعين، وتنتعش به أسرار السائرين، فلا تشهدوا معي غيري، ولا تميلوا لغير إحساني وبري، فقد علمتم أني منفرد بالوجود، ومختص بالكرم والجود، فكيف يرجى غيري وأنا ما قطعت الإحسان؟! وكيف يلتفت إلى ما سواي وأنا بذلت عادة الأمتنان؟! مني كان الإيجاد، وعليَّ دوام الإمداد، فثقوا بي كفيلاً، واتخذوني وكيلاً، أعطكم عطاء جزيلاً، وأمنحكم فخراً جليلاً.
ولما أمر عباده بعبادته وتوحيده، أمرهم بتصديق كلامه والإيمان برسوله، فقال: