وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، فيثيب المحسن، ويعاقب المسيء، أو:(بصير) بأحوال المتقين.
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ. وفي ترتيب السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كاف في استحقاق المغفرة والاستعداد لها.
ثم وصف المتقين بقوله: الصَّابِرِينَ على أداء الأمر واجتناب النهي، وفي البأساء والضراء وحين البأس، وَالصَّادِقِينَ في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فاستوى سرهم وعلانيتهم، وَالْقانِتِينَ أي: المطيعين، وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم في سبيل الله، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة لأن العبادة حينئذٍ أشق، والنفس أصفى، والروح أجمع، وَلاَ سيما للمتهجدين.
قيل: إنهم كانوا يُصلُون إلى السحر، ثم يستغفرون ويدعون، وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال:(إِنَّ اللهَ تعالى يقول: إني لأهُمُّ بأهل الأرض عذاباً، فإذا نظرت إلى عُمَّار بيوتي، وإلى المتهجدين، وإلى المتحابين فِيَّ، وإلى المستغفرين بالأسحار، صرفت عنهم العذاب) .
وقال سفيان: إن لله ريحاً يقال لها الصيحة، تهبُّ وقتَ السحر، تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار.
قال: وبلَغنا أنه إذا كان أول الليل، نادى مناد: ألا ليقم القانتون، فيقومون يُصلون إلى السحَر، فإذا كان وقت السحر، ينادي منادٍ: أين المستغفرون بالأسحار؟ فيستغفر أولئك، ويقوم آخرون، ويُصلون، فيلحقون بهم، فإذا طلع الفجر، نادى مناد: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فرشِهم كالموتى إذا نُشروا من قبورهم.
الإشارة: للذين اتقوا شهودَ السّوى عند ربهم جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم، وأصناف الحكم، مطهرة من العلل، منزهة من الخلل، تهب عليهم نسيم الرضوان، تحمل الرَّوُحَ والريحان، مخلدون في نعيم الشهود والعيان، والله بصير بعباده المخلصين، المنزَّهين من العيوب، المبرّئين من درن الذنوب، الصابرين على دوام المجاهدة، والصادقين في طلب المشاهدة، والقانتين لأحكام العبودية، والمنفقين أنفسَهُمْ ومُهَجَهم في طلب مشاهدة أنوار الربوبية، والمستغفرين من شهود الأغيار، وخصوصاً إذا هبّ نسيم الأسحار، فإن كثيراً من العباد والزهاد شغلتهم حلاوة نسيم الأسحار عن مطالعة أسرار الجبار، وهى أسرار التوحيد التي أشار إليها بقوله: