هذا اليوم فِي غَفْلَةٍ عما يراد بهم في الآخرة، وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بهذا لاغترارهم ببهجة الدنيا، فلا بد أن تنهد دعائمها، وتمحى بهجتها، ويفنى كل ما عليها، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها لا ينبغي لأحد غيرنا أن يكون له عليها وعليكم ملك ولا تصرف، أو: إنا نحن نتوفى الأرض ومن عليها، بالإفناء والإهلاك، توفي الوارث لإرثه، وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ يُردون إلى الجزاء، لا إلى غيرنا، استقلالاً أو اشتراكًا. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان. فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى:(لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) أي: يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه:
(اللهم اغفر لي يوم لقائك) . فقال له شيخه- القطب ابن مشيش- رضى الله عنهما: هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، «أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين» . هـ. كلامه رضي الله عنه.
ثم استتبع بذكر قصص الأنبياء، تتمة للرد على أهل الشرك، بأن الملل كلها متفقة على إبطاله، وقدّم الخليل لأنه إمام أهل التوحيد، فقال: