كفر من الأمم، وإقامة الحجة عليهم، فيقولون له في الجواب: لا عِلْمَ لَنا مع علمك، تأدبوا فوكلوا العلم إليه، أو علمنا ساقط في جنب علمك إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ لأن من علم الخفيات لا تخفي عليه الظواهر والبواطن، وقرىء بنصب علام، على إن الكلام قد تم بقوله: إِنَّكَ أَنْتَ أي: إنك الموصوف بصفاتك المعروفة، وعلام نصب على الاختصاص أو النداء. قاله البيضاوي.
الإشارة: من حجة الله على عباده، أن بعث في كل أمة نذيرا يدعو إلى الله، أما عارفًا يعرف بالله، أو عالمًا يعلم أحكام الله، ثم يجمعهم يوم القيامة فيسألهم: ماذا أجيبوا، وهل قوبلوا بالتصديق والإقرار، أو قوبلوا بالتكذيب والإنكار؟ فتقوم الحجة على العوام بالعلماء، وعلى الخواص بالعارفين الكُبراء، أهل التربية النبوية، فلا ينجو من العتاب إلا من ارتفع عنه الحجاب، بصحبة العارفين وتعظيمهم وخدمتهم، إذ لا يتخلص من العيوب إلا من صحبهم وأحبهم وملّك نفسه إليهم. والله تعالى أعلم.
ثم خص عيسى عليه السّلام بتذكير النعم يوم الجمع توطئة لتوبيخ من عبده من دون الله، فقال:
قلت:(إذ) : بدل من (يوم يجمع) ، أو باذكر، وجملة (تكلم) : حال من مفعول (أيدتك) .
يقول الحق جلّ جلاله: واذكر إِذْ يقول الله- جل وعز- يوم القيامة: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ بالنبوة والرسالة، وعلى أمك بالاصطفائية والصديقية، وذلك حين أَيَّدْتُكَ أي: قويتك بِرُوحِ الْقُدُسِ، وهو جبريل عليه السلام كان لا يفارقك في سفر ولا حضر، أو بالكلام الذي تحيا به الأنفس والأرواح، الحياة الأبدية. كنت تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ أي: كائنًا في المهد وَكَهْلًا أي: تكلم في الطفولة والكهولة بكلام يكون سببًا في حياة القلوب، وبه استدل أنه ينزل، لأنه رفع قبل أن يكتهل، وَاذكر إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ أي: الكتابة،