اليقين والطمأنينة، ورزق الأرواح: المشاهدة والمكالمة. قُل من يرزق قلوبكم وأرواحكم من سماء غيب القدرة وأرض الحكمة؟ فلا رازق سواه، ولا برهان على وجود ما سواه، ولا يعلم الغيب إلا الله. أو: من كان وجوده بالله قد غاب في نور الله، فَشَهِدَ الغيب بالله. والله تعالى أعلم.
ولمّا نفى عنهم علم الغيب، والشعور بمآلهم، أضرب عنه، وبيّن أن ما تناهى فيه أسباب العلم به، وهو مجىء القيامة، لم يحصل لهم به يقين، فضلا عن غيره، فقال:
قلت: قرأ الجمهور: «ادّارَكَ» بالمد، وأصله: تدارك، فأدغمت التاء في الدال، ودخلت همزة وصل. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر:«ادّرك» ، وأصله: افتعل، بمعنى تفاعل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو:«أدرك» أفعل.
يقول الحق جلّ جلاله: بَلِ ادَّارَكَ أي: تدارك وتناهى وتتابع أسباب عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي:
بالآخرة، أو: في شأنها، بما ذكرنا لهم من البراهين القطعية، والحجج العقلية، على كمال قدرتنا. ومع ذلك لم يحصل لهم بها يقين، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها، والمعنى: أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة لا ريب فيها قد حصلت لهم، ومكّنوا من معرفته، بما تتابع لهم من الدلائل. ومع ذلك لم يحصل لهم شيء من علمها، بل شكّوا. أو: أدرك علمهم، بمعنى: يدركهم في الآخرة حين يرون الأمر عياناً، ولا ينفعهم ذلك. قاله ابن عباس وغيره. بَلْ هُمْ اليوم فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ لا يُبصرون دلائلها، ولا يلتفتون إلى العمل لها.
والإضرابات الثلاثة تنزيل لأحوالهم، وتأكيد لجهلهم. وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون بوقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة مع تتابع أسباب علمها، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية، ثم بما هو اسوأ حالاً، وهو العمى، وجعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه، فلذا عداه ب «من» دون «عن» لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم عن التفكر والتدبر.
ووجه اتصال مضمون هذه الآية- وهو وصف المشركين- بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشيء بذلك: هو أنه لما ذكر أن