يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ صنع المنافقين، الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أي: يقعون فيه سريعًا، فيظهرونه إن وجدوا فرصة، ثم بينهم بقوله: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا، قالوه بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، فلا يهولنّك شأنهم ولا تحتفل بكيدهم، فإن الله سيكفيك أمرهم.
الإشارة: من شأن العارفين بالله تذكير عباد الله، ثم ينظرون إلى ما يفعل الله، فلا يحزنون على من لم تنفعه الموعظة، ولا يفرحون بسبب نجاح موعظتهم، إلا من حيث موافقة رضا ربهم، فهم في ذلك على قدم نبيهم، آخذين بوصية ربهم. والله تعالى أعلم.
قلت:(ومن الذين هادوا) : يُحتمل أن يكون عطفًا على (الذين قالوا) أي: لا يحزنك شأن المنافقين واليهود، و (سماعون) : خبر، أي: هم سماعون، ويحتمل أن يكون استئنافاً، فيكون (سماعون) : مبتدأ على حذف الموصوف، و (من) : خبر، أي: ومن الذين هادوا قوم سماعون، واللام في:(للكذب) : إما مزيدة للتأكيد، أو لتضمين السماع معنى القبول، وجملة (لم يأتوك) : صفة لقوم، وجملة (يحرّفون) : صفة أخرى له.
يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا صنف سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أي: كثيروا السماع للكذب والقبول له، وهم يهود بني قريظة، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ وهم يهود خيبر، لَمْ يَأْتُوكَ أي: لم يحضروا مجلسك، تكبرًا وبغضًا، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أي: يميلونه عن مواضعه الذي وضعه الله فيها، إما