وَإِنْ تُحْسِنُوا العشرة وَتَتَّقُوا النشوز والإعراض ونقص حق المرأة مع كراهة الطبع لها، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً لا يخفى عليه إحسانكم ولا نشوزكم، فيجازي كُلاًّ بعمله، وفي بعض الأثر:«من صبر على أذى زوجته أعطاه الله ثواب أيوب عليه السلام» . وكذلك المرأة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: اعلم أن النفس كالمرأة حين يتزوجها الرجل، فإنها أذا رأت من زوجها الجد في أموره والانقباض عنها، هابته وانقادت لأمره، وإذا رأت منه الليونة والسيولة استخفت بأمره وركبته، وسقطت هيبته من قلبها، فإذا أمرها ونهاها لم تحتفل بأمره، وكذلك النفس إذا رأت من المريد الجد في بدايته والصولة عليها، هابته وانقادت لأمره وكانت له سميعة مطيعة، وإذا رأت منه الرخو والسهولة معها، ركبته وصعب عليه انقيادها وجهادها، فإذا صال عليها وقهرها فأرادت الصلح معه على أن يسامحها في بعض الأمور، وتساعفه فيما يُريد منها، فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحًا، والصلح خير، فإن دوام التشديد قد يفضي إلى الملل، وإن تحسنوا معها بعد معرفتها، وتتقوا الله في سياستها ورياضتها حتى ترد بكم إلى حضرة ربها، فإن الله كان بما تعملون خبيرا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا، يا معشر الأزواج، أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ العدل الكامل التام في الأقوال والأفعال والنفقة والكسوة والمحبة، وَلَوْ حَرَصْتُمْ على ذلك لضعف حالكم، وقد خففت عنكم، وأسقطت الحرج عنكم، فلا يجب العدل في البيت فقط، وكان صلّى الله عليه وسلم يَقسِمُ بين نِسَائِه فيعِدلُ ويقُولُ:«اللهمَّ هذه قسمتي فِيمَا أملِك، فلا تُؤاخِذني فيمَا لا أملِكُ» ، يعني: ميل القلب، وكان عمر رضي الله عنه يقول:(اللهم قلبي فلا أملكُه، وأما سوى ذلك فإني أرجو أن أعدل) ، وأما الوطء فلا يجب العدل فيه، إلا أن تتحرك شهوته، فيكف لتتوفر لذته للأخرى.
فَلا تَمِيلُوا إلى المرغوب فيها لجمالها أو شبابها، كُلَّ الْمَيْلِ بالنفقة والكسوة والإقبال عليها، وتَدَعُوا الأخرى كَالْمُعَلَّقَةِ التي ليست ذات بعل ولا مطلقة، كأنها محبوسة مسجونة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم:«مَن كانت له أمَرأتانِ يَميلُ معَ إحدَاهما، جَاء يومَ القِيَامَةِ، وأحَدُ شِقّيه مَائِلٌ» ، وَإِنْ تُصْلِحُوا ما كنتم تفسدون في أمورهن بالعدل بينهن، وَتَتَّقُوا الجور فيما يستقبل، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً، يغفر لكم ما مضى من ميلكم.