للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون إنه مرائي، فقال: الآن طاب العمل. قال بشر الحافي: اكتفى- والله- بعلم الله. فلم يحب أن يدخل مع علم الله غيره، وقال أيضاً: سكون النفس لقبول المدح لها أشد عليها من المعاصي. وقال أحمد بن أبى الحوارى رضى الله عنه: من أحب أن يعرف بشيء من الخير، أو يُذكر به، فقد أشرك مع الله في عبادته لأن من عمل على المحبة لا يُحب أن يرى عمله غير محبوبه.

وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه. لا تنشر علمك، ليصدقك الناس، وانشر علمك ليصدقك الله. وإن كان لام العلة موجوداً، فَعِلَّةٌ تكون بينك وبين الله من حيث أمرك، خير لك من عِلَّة تكون بينك وبين الناس، من حيث نهاك.

ولعِلَّةٌ تردك إلى الله خير لك من علة تقطعك عن الله. هـ. المراد منه.

ثم تمم قصة نوح عليه السلام، فقال:

[سورة هود (١١) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩)

يقول الحق جلّ جلاله: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ بعد هذا إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قبل، وكان هذا الوحي بعد ان مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى. فكان الرجل منهم يأتيه بابنه، ويقول: يا بُني لا تصدق هذا الشيخ، فهكذا عَهد إليَّ أبي وجَدّي. فلما نزل الوحي وأيس من إيمانهم دعا عليهم، وقال: رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «١» . قال له تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ: تحزن وتغتم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ من التكذيب والإيذاء، أقنطه أولاً من إيمانهم، ونهاه أن يغتم لأجلهم.

ثم أمره بصنع السفينة، فقال: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا بحفظنا ورعايتنا، أو بمرأى منا ومسمع غير محتاج إلى آلة حفظ وحرس، وَوَحْيِنا إليك، كيف تصنعها، رُوي أنه لما جهل صنعها أوحى الله إليه: أن اصنعها على مثال جُؤجؤ الطائر. وروي أيضا: أنها كانت مربعة الشكل، طويلة في السماء، ضيقة الأعلى، وأن المراد منها إنما كان الحفظ، لا سرعة المشي. والأول أرجح. أعني: على صورة ظهر الطائر. قال في الأساس: عملت سفينة نوح عليه السلام


(١) من الآية ٢٦ من سورة نوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>