ثم ردَّ على أهل الباطل فقال: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أي: وقد استقر لكم الويل والهلاك من أجل ما تصفونه، سبحانه، بما لا يليق بشأنه الجليل، من الولد والزوجة، وغير ذلك مما هو باطل. وهو وعيد لقريش ومن دان دينهم، بأنَّ لهم أيضًا مثل ما لأولئك القرى المتقدمة من الهلاك، إن لم ينزجروا. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما نصبت لك الكائنات لتراها كائنات، بل لتراها أنوارًا وتجليات، الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فالغير والسِّوى عند أهل الحق باطل، والباطل لا يثبت مع الحق. قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) . قال القشيري: نُدْخِلُ نهارَ التحقيق على ليالي الأوهام، أي: فتمحى، وتبقى شمس الأحدية ساطعة. هـ. وبالله التوفيق.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: له جميع المخلوقات، خلقًا ومِلكًا، وتدبيرًا وتصرفًا، وإحياء وإِماتة، وتعذيبًا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل، لا استقلالاً ولا استتباعًا، ولا فرق بين أهل العالم العلوي والسفلي، وَمَنْ عِنْدَهُ وهم الملائكة- عليهم السلام- عبَّر عنهم بذلك إثر ما عبَّر عنهم بمن فى السموات تنزيلاً لهم- لكرامتهم عليه، وزلفاهم عنده- منزلة المقربين عند الملك، وهو مبتدأ وخبره:
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أي: لا يتعاظمون عنها، ولا يَعُدون أنفسهم كبراء، وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أي: لا يكِلُّون ولا يَعْيون، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي: ينزهونه في جميع الأوقات، ويُعظمونه ويمجدونه دائمًا. وهو استئناف بياني، كأنه قيل: ماذا يصنعون في عبادتهم، أو كيف يعبدون؟ فقال: يُسبحون ... الخ.
لا يَفْتُرُونَ أي: لا يتخلل تسبيحَهم فترة أصلاً، ولا شغل آخر.