للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاملة يوم القيامة حيث ماتوا مصرين على الكبائر وهم لا يشعرون. ويحملون من أوزار الذين يضلونهم عن طريق الخصوص بغير علم، بل جهلاً وعنادًا وحسدًا، ألا ساء ما يزرون.

قلت: الذي أتلف العوام عن الدين ثلاثة أصناف: علماء السوء، وفقراء السوء- وهم أهل الزوايا والنسبة-، وقراء السوء لأن هؤلاء هم المقتدى بهم، والمنظور إليهم، فإذا رأوهم أقبلوا على الدنيا، وقصروا في الدين، تبعوهم على ذلك فضلوا معهم، فقد ضلوا وأضلوا، وإذا أنكروا على أولياء الله، ومكروا بهم، اقتدوا بهم في ذلك، فيتولى الله حفظ أوليائه، ويهدم مكرهم قال تعالى: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) .. الآية، فإذا كان يوم القيامة أبعدهم عن حضرته، وأسكنهم مع عوام خلقه. فإذا أنكروا ما فعلوا في الدنيا، يقال لهم: (بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فيخلدون في عذاب القطيعة والحجاب، فبئس مثوى المتكبرين. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر أضدادهم، فقال:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)

قلت: (خَيْراً) : منصوب بفعل محذوف، أي: أنزل خيرًا، فهو مطابق للسؤال لأن المؤمنين معترفون بالإنزال، بخلاف قوله: (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فهو مرفوع على الخبر لأنهم لا يُقرون بالإنزال، فلا يصح تقدير فعله. وإنما عدلوا بالجواب عن السؤال لإنكارهم له، وقالوا: هو أساطير الأولين ولم ينزله الله. و (لِلَّذِينَ) : خبر، و (حَسَنَةٌ) :

مبتدأ، والجملة: بدل من (خَيْراً) ، أو تفسير الخير الذي قالوه، والظاهر أنه استئناف من كلام الحق. (جَنَّاتُ عَدْنٍ) :

يحتمل أن يكون هو المخصوص بالمدح، فيكون مبتدأ، وخبره فيما قبله، أو خبر ابتداء مضمر، أو مبتدأ، وخبره:

(يَدْخُلُونَها) ، أو محذوف، أي: لهم جنات عدن. و (طَيِّبِينَ) : حال من مفعول «توفاهم» .

يقول الحق جلّ جلاله: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك، وهم المؤمنون: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً، أي: أنزل خيرًا، مقرين بالإنزال، غير مترددين فيه ولا متلعثمين عنه، على خلاف الكفرة لمَّا ذكر الحق تعالى مقالة الكفار الذين قالوا: أساطير الأولين، عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لكل فريق ما يستحق من العقاب أو الثواب، رُوِي أن العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوفد، وسأل المقتسمين من الكفار، قالوا له: أساطير الأولين، وإذا سال المؤمنين: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيرًا. فنزلت الآية في شأن الفريقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>