هذه الحضرة (قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ، تحققوا أنهم محمولون بسابق العناية، محفوفون بعين الرعاية، فتحققوا بما جاءت به الرسل من عند الله، وما نالوه على يد أولياء الله من الذوق والوجدان، وكشف الغطاء عن عين العيان، منحنا الله من ذلك حظا وافرا، بمنِّه وكرمه.
قلت:(أن) : في هذه المواضع: مخففة من الثقيلة، أو: تفسيرية، وحذف مفعول:(وعد) الثاني استغناء بمفعول وعد الأول، أو لإطلاق الوعد، فيتناول الثواب والعقاب.
يقول الحق جلّ جلاله: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من النعيم حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ أنتم ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من البعث والحساب حَقًّا، إنما قال أهل الجنة ذلك تبجحًا بحالهم، وشماتة بأصحاب النار، وتحسيرًا لهم، فأجابهم أهل النار بقولهم: نَعَمْ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ بين الفريقين: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الكافرين، الَّذِينَ يَصُدُّونَ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وهي الإسلام، وَيَبْغُونَها أي: يطلبون لها عِوَجاً زيغًا وميلاً عما هو عليه من الاستقامة، أو يطلبونها أن تكون ذات عوج، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ أي: جاحدون.
وَبَيْنَهُما أي: بين الفريقين حِجابٌ، أو بين الجنة والنار حجاب، يمنع دخول أثر أحدهما للأخرى، وَعَلَى الْأَعْرافِ وهو السور المضروب بين الجنة والنار، رِجالٌ طائفة من الموحدين استوت حسناتهم وسيئاتهم، كما في الحديث. وقال في الإحياء: يشبه أن يكونوا مَن لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد، فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية، فلا وسيلة تقربهم، ولا جناية تبعدهم، ولهم السلامة فقط، لا تقريب ولا تبعيد. هـ. قلت: لكن سيأتي أنهم يدخلون الجنة.