قد تجرّدوا من لباس الزينة والافتخار، ولبسوا لباس المسكنة والافتقار، فعوضهم الله تعالى في قلوبهم لباس الغنى والعز والاقتدار، صبروا قليلاً، واستراحوا زمنًا طويلاً، تذللوا قليلاً، وعزّوا عزًا طويلاً، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم أخذ ذو القرنين من الجنوب إلى الشمال، كما قال تعالى:
. قلت: بَيْنَ السَّدَّيْنِ: مفعول، لا ظرف لأنه يستعمل متصرفًا.
يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين سَبَباً: طريقًا ثالثًا بين المشرق والمغرب، سالكًا من الجنوب إلى الشمال، حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ: بين الجبلين، اللذين سُدَّ ما بينهما، وهو منقطع أرض الترك، مما يلي المشرق، لا جبال أرمينية وأذربيجان، كما توهم، وفيه لغتان: الضم والفتح، وقيل: ما كان من فعل الله فهو مضموم، وما كان من عمل الخلق فهو مفتوح. وَجَدَ مِنْ دُونِهِما أي: من ورائهما: مما يلي بر الترك، قَوْماً: أمة من الناس لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ: يفهمون قَوْلًا لغرابة لغتهم، وقلة فطنتهم، وقرئ بالضم رباعيًا، أي: لا يُفصحون بكلامهم، واختلف فيهم، قيل: هم جيل من الترك قال السدي: الترك سُرْبة من يأجوج ومأجوج، خرجت، فضرب ذو القرنين السد، فبقيت خارجة. قلت: ولعلهم طلبوا منه ذلك، حين اعتزلوا قومهم، ثم قال: فجميع الترك منهم. وعن قتادة: أنهم، - أي: يأجوج ومأجوج- اثنتان وعشرون قبيلة،