عن الإحساس تر عبراً. «الكون كله ظلمة، وإنما أناره ظهورُ الحَقِّ فيه» . أو تقول: الكون كله ظلمة لأهل الحجاب، وأما عند أهل المعرفة فالكون عندهم كله نور، وإنما حجبه ظهور الحكمة فيه، «فمن رأى الكون ولم يشهد النور فيه، أو قبله، أو بعده، فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار» . والذين كفروا- وهم الذين سبق لهم الشقاء، وحكم عليهم بالبعد القدر والقضاء- أولياؤهم الطاغوت، وهم القواطع: من الهوى والشيطان والدنيا والناس، (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) أي: يمنعونهم من شهود تلك الأنوار السابقة، إلى الوقوف مع تلك الظلمات المتقدمة، فهم متعاكسون مع مَن سبقتْ لهم العناية، فما خرج منه أهل العناية وقع فيه أهل الغواية. نسأل الله الحفظ والعافية فى الدنيا والآخرة.
قلت:(أن آتاه) : على حذف لام العلة، و (إذ قال) : ظرف أ- (حاجّ) ، أو بدل من (آتاه الله) .
يقول الحق جلّ جلاله متعجباً من جهالة النمرود، والمراد تعجيب السامع: أَلَمْ تَرَ يا محمد، إِلَى جهالة الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ أي: خاصمه فِي رَبِّهِ لأجْل أَنْ أعطاه اللَّهُ الْمُلْكَ، أي: حمله على ذلك بطر الملك. وذلك أنه لما كسَّر إبراهيم الأصنام، سجنه أياماً، وأخرجه من السجن، وقال له: من ربك الذي تعبد؟ قالَ له إِبْراهِيمَ عليه السلام: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، أي: يخلق الأرواح في الأجسام، ويخرجها عند انقضاء آجالها، (قال) نمرود: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فدعا برجلين فقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فلما رأى إبراهيم عليه السلام غلطه وتشغيبه عدل له إلى حجة أخرى، لا مقدور للبشر على الإتيان بمثلها، فقال له: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها أنت مِنَ الْمَغْرِبِ لأنك تدَّعي الربوبية، ومن شأن الربوبية أن تقدر على كل شيء، ولا يعجزها شيء، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي: غُلب وصار مبهوتاً، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إلى قبول الهداية، أو إلى طريق النجاة، أو إلى محجة الاحتجاج.