و (من لعنة الله) : إما خبر، أي: هو من لعنه الله، أو بدل من شر، ولا بد من حذف مضاف، إما من الأول أو الثاني، أي: بشر من أهل ذلك الدين من لعنه الله، أو دين من لعنه الله.
ومن قرأ:(عَبَدَ) بفتح الباء، ففعل ماض، صلة لموصول محذوف، أي: ومَن عبد، و (الطاغوت) : مفعول به، ومن قرأ بضم الباء، فاسم للمبالغة، كيقظ، أي: كثير اليقظة، وهو عطف على القردة، والطاغوت مضاف.
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم: هَلْ أخبركم بأقبح من ذلك الدين الذي قلتم ما رأيتم شرًا منه، هو دين مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، أو نفس من لعنه الله، أي: أبعده من رحمته وَغَضِبَ عَلَيْهِ بكفره وعصيانه، وهم اليهود، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ أي: مسخ بعضهم قردة وخنازير، وهم أصحاب السبت، مسخ شبابهم قردة، وشيوخهم خنازير، وَجعل منهم أيضًا من عَبَدَ الطَّاغُوتَ، وهم عباد العجل، أو الكهنة، أو كل من أطاعوه في معصية الله، أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً أي: أقبح مكانًا، أي: أقبح مرتبة وأخس حالاً، جعل مكانَهم شرًا، ليكون أبلغ في الدلالة على شريتهم، وَهم أيضًا أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ أي: عن وسط الطريق، بل حادوا عنه إلى طرق تفريط أو إفراط، حيث تركوا طريق الإسلام، الذي هو الصراط المستقيم.
الإشارة: من كان متلطخًا بالمعاصي والذنوب، وباطنه محشو بالمساوئ والعيوب كالحسد والجاه وحب الدنيا وسائر أمراض القلوب، ثم جعل يطعن في طريق الخصوص، يقال له: هل أنبئك بشر من ذلك، هو من أبعده الله بسبب المعاصي والذنوب، وغضب عليه بسبب أمراض القلوب، ومسخ قلبه عن مطالعة أنوار الغيوب، فهذا أقبح مكانًا وأضل سبيلاً، فكل من أُولع بالطعن على الذاكرين، يمسخ قلبُه بالغفلة والقسوة، حتى يفضي إلى سوء الخاتمة. والعياذ بالله.
قلت: جملة: (وقد دخلوا) ، وجملة:(وهم قد خرجوا) ، حالان من فاعل (قالوا) ، ودخلت (قد) على دخلوا وخرجوا تقريبًا للماضي من الحال، ليصح وقوعه حالاً أي: ذلك حالهم في دخولهم وخروجهم على الدوام، وأفادت أيضًا- لما فيها من التوقع- أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم.
يقول الحق جلّ جلاله فى ذكر مساوئ اليهود: وَإِذا جاؤُكُمْ ودخلوا عليكم، أظهروا الوفاق لكم، وقالُوا آمَنَّا بدينكم وَهم قَدْ دَخَلُوا عليكم ملتبسين بِالْكُفْرِ في قلوبهم، وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا أيضًا بِهِ، فلم ينفع فيهم وعظ ولا تذكير، بل كتموا النفاق وأظهروا الوفاق، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ فيفضحهم على رؤوس الأشهاد.