[قال تعالى:]
ذَرْهُمْ: دعهم اليوم يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم، وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ: ويشغلهم توثقهم بطول الأعمار، واستقامة الأحوال، عن الاستعداد للمعاد، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءهم.
والأمر للتهديد، والغرض: حصول الإياس من إيمانهم، والإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنَّ نصحهم بعد هذا تعب بلا فائدة. وفيه إلزام الحجة لهم. وفيه التحذير عن إيثار التنعم، وما يؤدي إليه طول الأمل من الهلاك عاجلاً وآجلاً، ولذلك قال تعالى بُعد: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ أي: أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ، ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها أي: أجَل هلاكها، وَما يَسْتَأْخِرُونَ عنه ساعة. وتذكير الضمير في يَسْتَأْخِرُونَ للحمل على المعنى، لأن الأمة واقعة على الناس. والله تعالى أعلم.
الإشارة: انظر هذا التهديد العظيم، والخطر الجسيم لمن تمتع بدنياه، وعكف على حظوظه وهواه: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) . ولله در القائل:
تَفَكَّرتُ فِي الدُّنيا وفي شَهَواتِها ... ولَذاتِها حَتَّى أَطَلْتُ التَّفَكُّرَا
وَكيْفَ يَلَذُّ العَيشُ مَنْ هُو سَالِكٌ ... سَبِيلَ المَنَايا رائِحا أوْ مُبكِّرا
فَلاَ خَيْرَ في الدنيا ولا في نَعِيِمهَا ... لحُرِّ مقلِّ كانَ أو مكثرا
ثم أجاب من اقترح الآيات، فقال:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦ الى ٩]
وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: كفار قريش: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ في زعمه، أو قالوه تَهكماً، إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ أي: إنك لتقول قول المجانين، حين تدعي أنه ينزل عليك الذكر، أي: القرآن.
لَوْ مَا: هلا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ليصدقوك فيما تدعي، أو يعضدوك على الدعوى، أو للعقاب على تكذيبنا، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك، قال تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ لعذابهم أو لغيره إِلَّا بِالْحَقِّ من الوحي، والمصالح التي يريدها الله، لا باقتراح مقترح، أو اختيار كافر، أو: إلا تنزيلاً ملتبساً بالحق، أي: بالوجه
- بها، فيغضب الله تعالى لهم، بفضل رحمته، فيأمر بكل مَن كان من أهل القبلة فى النار فيخرجون منها، فحينئذ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كانوا مسلمين» . أخرجه ابن جرير فى التفسير، وابن أبى عاصم فى السّنة (١/ ٤٠٥) ، وابن أبى حاتم فى تفسيره (٧/ ٢٢٥٥) والحاكم فى المستدرك (٢/ ٤٤٢) وصححه.