قال القشيري: كل أمر نِيطَ بين اثنين انتفى عنه النظام وصحةُ التربية. هـ. وقال الورتجبي: نزه الحق- سبحانه- ذاته عن مخايل الزنادقة، وكان منزهاً عن أباطيل إشارة المشبهة، وذاته ممتنعة بكمال أحديته، عن زعم الثنوية، كيف يجوز أن يكون القِدم محل الحوادث إذا القديم المنزه، إذا تجلى بنعت القدم للحدثان، صار معدوماً كالعدم، تعالى الله عن كل وهْم وإشارة. هـ.
ولما توعدهم بالعذاب على كفرهم، أمر نبيه- عليه الصلاة والسلام- بالدعاء بالنجاة منه إذا نزل بهم، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي أي: إذا كان لا بد من أن تريني ما يُوعدون من العذاب المستأصل في الدنيا أو عذاب الآخرة، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: قريباً لهم فيما هم فيه من العذاب، وفيه إيذان بفظاعة ما وُعدوه من العذاب، وأنه يجب أن يستعيذ منه مَن لا يكاد أن يحيق به، وردٍّ لإنكارهم إياه واستعجالهم على طريقة الاستهزاء، وقيل: أمر به صلى الله عليه وسلم هضماً لنفسه، وقيل: إن شؤم الكفرة قد يحيق بمن وراءهم كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً ... «١» إلخ، ورُوي عن الحسن (أنه- تعالى- أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمر بهذا الدعاء) ويجوز أن يسأل النبيُّ المعصوم ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. والفاء: جواب «إما» الشرطية، أي: إن نزلت بهم النقمة فاجعلني خارجاً عنهم، وتكرير النداء، وتصدير كل من الشرط والجزاء به- أي: بالدعاء- لإبراز كمال الضراعة والابتهال.
قال تعالى: وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ من العذاب لَقادِرُونَ، ولكنا نؤخره لعلمنا بأن بعضهم، أو بعض أعقابهم، سيؤمنون، أو: لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، وقيل: قد أراهم ذلك، وهو ما أصابهم يوم بدر وفتح مكة،