قلت: وَلكِنْ ذِكْرى: مفعول بمحذوف، أي: يذكرونهم ذكرى، أو مبتدأ، أي: عليهم ذِكرَى.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا أي: القرآن بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا تجالسهم، بل قُم عنهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي: غير القرآن، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ النهيَ عن مجالستهم، وجلست نسيانًا، فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى أي: بعد أن تذكر النهي، مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، ونسبة النسيان إلى الشيطان أدبًا مع الحضرة، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «١» ، ووضع المظهر موضع المضمر، أي: معهم، للدلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم.
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي: ما على المتقين الذين يجالسونهم شيء من حسابهم، بل عقابهم على الخوض خاصٌّ بهم، وَلكِنْ عليهم ذِكْرى أي: تذكيرهم ووعظهم ومنعهم من الخوض إن قدروا، وكراهية ذلك إن لم يقدروا، فيعظونهم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَيجتَنِبُون ذلك الخوض حياء أو كراهية مُساءتهم، وإنما أبيح للمؤمنين القعود مع الكفار الخائضين ومخالطتهم لأن ذلك يشق عليهم، إذ لا بُدَّ لهم من مخالطتهم في طلب المعاش وفي الطواف، وغير ذلك، بخلافه- عليه الصلاة والسلام- لأن الله أغناه عنهم به، فنهاه عن مخالطة أهل الخوض مطلقا.
ثم قال له: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً أي: بنوا أمر دينهم على التشهِّي، وتدَّينوا بما لا يعود عليهم بنفع، عاجلاً وآجلاً، كعبادة الأصنام واتخاذ البحائر والسوائب، أو اتخذوا دينهم الذي كلفوا بالدخول فيه لعبًا ولهوًا، حيث سخروا به، أي: أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم. ومن جعله منسوخًا بآية السيف حمله على الأمر بالكف عنهم، وترك التعرض لهم، وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وزخرفها، حتى نسُوا البعث وأنكروه، والعياذ بالله.
الإشارة: قد تقدّم مراراً التحذير من مخالطة أهل الخوض وصحبة العوام، وكل من ليس من جنس أهل النسبة، فإن ألجأه الحال إلى صحبتهم- فليُذكرهم، ويعظهم، ويُنهضهم إلى الله بمقاله أو حاله ما استطاع. وبالله التوفيق.