للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: يَحْسَبُونَ أي: هؤلاء المنافقون الْأَحْزابَ، يعني: قريشاً وغطفان، الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: اجتمعوا، أنهم لَمْ يَذْهَبُوا ولم ينصرفوا لشدة جُبنهم، مع أنهم انصرفوا. وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرة ثانية يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ، والبادون: جمع باد، أي: يتمنى المنافقون- لجُبنهم- أنهم خارجون من المدينة إلى البادية، حاصلون بين الأعراب ليأمنوا على أنفسهم، ويعتزلوا مما فيه الخوف من الحرب، يَسْئَلُونَ كل قادم منهم من جانب المدينة. وقرئ يَسَاءلون «١» ، بالشد. أي: يتساءلون، بعضهم بعضاً عَنْ أَنْبائِكُمْ عن أخباركم وعما جرى عليكم، وَلَوْ كانُوا أي:

هؤلاء المنافقون فِيكُمْ أي: حاضرون فى عسكركم، وحضر قِتَالٌ، ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياءً وسمعة، ولو كان الله لكان كثيراً إذ لا يقل عمل لله.

الإشارة: الجبان يخاف والناس آمنون، والشجاع يأمن والناس خائفون، ولا ينال من طريق القوم شيئاً جبانٌ ولا مستحي ولا متكبر. فمن أوصاف الضعفاء: أنهم، إذا نزلت بالقوم شدة أو محنة- كما امْتُحِنَ الجنيد وأصحابه- يتمنون أنهم خارجون عنهم، وربما خرجوا بالفعل، وإن ذهبت شوكتهم يحسبون أنهم لم يذهبوا لشدة جزعهم.

ومن أوصافهم: أنهم يكثر سؤالهم عن أخبار القوم، والبحث عما جرى بهم خوفاً وجزعاً ولو مضوا معهم لم يغنوا شيئاً. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر ضدهم من أهل القوة، فقال:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢١ الى ٢٤]

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤)


(١) وهى قراءة رويس، ورويت عن زيد بن على، وقتادة، وغيرهما. انظر الإتحاف (٢/ ٣٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>