قلت: من قرأ: (لا تعدوا) بالسكون، فماضيه: عدا، ومن قرأ بتشديد الدال، فماضيه اعتَدى، وأصله: لا تعتدوا، فنُقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الدال، ومن قرأ بالاختلاس أشار إلى الأصل.
يقول الحق جلّ جلاله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ، وهم أحبار اليهود، أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ جملة واحدة، كما نزل التوراة، أو كتابًا بخطَّ سماوي على ألواح كما كانت التوراة، والمسائل هو كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازوراء وغيرهم، قالوا للنبى صلّى الله عليه وسلم:(إن كنت نبيًا فأتنا بكتاب من السماء جملةً، كما أتى به موسى) ، قال تعالى في الرد عليهم: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ وهو رؤية ذات الحقّ- تعالى- جهرًا حسًا. والمعنى: إن استعظمت ما سألوا منك فقد وقع منهم ما هو أعظم من ذلك.
وهذا السؤال، وإن كان من آبائهم، أُسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم، فما اقترحوا عليك ليس بأول جهالاتهم وتشغيبهم بل عُرفُهُم راسخٌ في ذلك، فلا تستغرب ما وقع منهم.
ثم فسر سؤالهم بقوله: فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أي: عيانًا في الحس، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، بأن جاءت نار من السماء فأهلكتهم، فماتوا ثم بُعثوا بدعوة موسى عليه السلام وذلك بسبب ظلمهم. وهو تعنتهم وسؤالهم لما أستحيل في تلك الحال التي كانوا عليها. وذلك لا يقتضي امتناع الرؤية مطلقًا. وسيأتي في الإشارة تحرير ذلك.
ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ على وحدانيته تعالى. وهذه جناية أخرى اقترفها أيضًا أوائلهم، فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ حين تابوا، ولم نعاجلهم بالعقوبة، وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً أي: تسلطًا ظاهرًا عليهم، حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم، توبة من اتخاذهم العجل إلهًا، وحجة واضحة على نبوته كالآيات التسع.