من كل جانب، حتى هممتم بالرجوع أو الوقوف. وإذ زاغت الأبصار: مالت عن قصدها بالاهتمام بالرجوع، وبلغت القلوبُ الحناجرَ، ممن كان ضعيف الإرادة واليقين، وتظنون بالله الظنونا، فمنهم مَن يظن الامتكان بعد الامتحان، فيفرحون بالبلاء، ومنهم مَن يظن أنه عقوبة ... إلى غير ذلك، هنالك ابتلي المؤمنون المتوجهون ليظهر الصادق، في الطلب، من الكاذب فيه، فعند الامتحان يعز المرء أو يُهان، ويظهر الخَوّافون من الشجعان، وزُلزلوا زلزالاً شديداً ليتخلصوا ويتمحصوا، كما يتخلص الذهب والفضة من النحاس، ومَن عرف ما قصد هان عليه ما ترك.
قال القشيري: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.. يعني: بمقابلتها بالشكر، وتَذَكُّرِ ما سَلَفَ من الذي دفع عنك، يهون عليك مقاساة البلاءِ في الحال. وبذكرك لما أولاك في الماضي يقرب من الثقة بوصول ما تؤمِّلهُ في الاستقبال. فمن جملة ما ذكّرهم قوله: إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ... الآية: كم بلاء صَرَفَه عن العبد وهو لا يشعر، وكم شغل كنت بصدده، فصدّه عنك ولم تعلم، وكم أمر صرفه، والعبد يضج، وهو- سبحانه- يعلم أن في تيسيره هلاكَه، فيمنعه منه رحمة عليه، والعبد يتهمه ويضيق به صدره!. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: عطف تفسير إذ هو وصف المنافقين، كقول الشاعر:
إلى المَلِكِ القَرْمِ، وابنِ الهُمَامِ ... ولَيْثَ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ
فابن الهمام هو القَرْمُ، والقرم- بالراء-: السيد. وقيل: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، هم الذين لا بصيرة بهم في الدين من المسلمين، كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشُّبه عليهم، قالوا، عند شدة الخوف: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً.